الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

البحث عن وليد مسعود

نشر بتاريخ: 07/08/2011 ( آخر تحديث: 07/08/2011 الساعة: 14:18 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير - 5 صفات غير متوفرة في الشعب الفلسطيني ، اولها الصبر . وليس من صفات الشعب الفلسطيني طول البال ، ولا الصبر ، والغريب انه اشتهر بين الامم أننا صابرون ، فنحن مجتمع سريع الغضب وقوي في ردة الفعل المباشرة ، حتى ان الكاميرا الخفية لم تنجح معنا واذكر كيف تعرض طاقم التلفزيون في العام 1995 لضرب شديد حين حاول تسجيل اول حلقة من الكاميرا الخفية . لكن المفارقة هنا ان الافراد في المجتمع الفلسطيني سريعو الاشتعال والغضب على صعيد سلوكي بينما هم ليسوا كذلك على صعيد استراتيجي ، فهم مستكينون في القضايا التي تحتاج الى حسم وغضب بشكل جماعي ، ومثال على ذلك صبرهم المذهل على اعتداءات صارخة على حقوقهم في مجالات الحياة !!!!


وليس من صفات الشعب الفلسطيني التخطيط ، فهم يتركون الامور على عواهنها حتى اللحظة الاخيرة ، ويعتبرون التخطيط خبثا غير مقبول ، ويفضّلون التلقائية بحجة انها "براءة " ومثال على ذلك طريقة اختيارهم للقيادات ونمط حياتهم ، بل ان اختيار شريك الحياة يعتمد عادة على حالة انفعالية حسيّة بدائية مباشرة ، ما يؤجل البحث في ملفات الحل النهائي مثل السكن والاولاد والعمل الى اجل غير مسمى وهو نفس الاسلوب الذي سار فيه خط التفاوض مع اسرائيل حيث جرى تأجيل ملفات الحل النهائي الى اجل غير مسمى ما تسبب في ارباك كل الخارطة السياسية الفلسطينية .


وليس من عادات الشعب الفلسطيني المحاسبة ، واذا وقعت المحاسبة فانها تكون غير عادلة ، فترى الشرطي يخالف سائقا لم يربط حزام الامان وسط المدينة المكتظ لكنه لا يخالف سائقا ارعنا تخطّى الاشارة الحمراء او سار بسرعة تهدد حياة المارة بالخطر ، ولم ار ابدا شرطيا فلسطينيا يخالف سائق يوقف سيارته وسط الشارع ويعطّل السير بل ان الشرطي يذهب لمجادلته ومحاججته وادارة حديث معه وهو سلوك مكتسب في التربية فنحن نحاسب على الشكليات لكننا لا نحاسب على القضايا المركزية .وليس غريبا ان تجد سكان قرية يحترمون شخصا فاسدا متهما بسرقة عدة ملايين من الدولارات من منظمة التحرير وكم يشرّفهم ان يصاهروه ويتناسبوا معه ، لكنهم لن يحترموا ابدا لصا صغيرا عضّه الجوع فذهب لسرقة سيارة من مستوطنة يهودية قريبة !!!

وليس من صفات المجتمع الفلسطينيي التخلي عن الحيل الدفاعية السبع ، فالفلسطيني شكّاك بطبعه ، ويناور كثيرا بسبب او من دون سبب . ما يفقده اللحظة ويجعله رهين التكتيك الموغل في الدفاع ، وقلما يلعب الفلسطيني على طريقة الهجوم ما يجعل اختياره لاصدقائه واعدائه مبنيا على عواطف مستوحاة من ميادين المعارك التي يعيشها ، وليس من خلال فهم استراتيجيات المصلحة والتخطيط .


وليس من عادات الشعب الفلسطيني ان يتحرر من عقدة المكان ، ورغم سفره وهجرته الاجبارية ولجوئه الحزين الا انه ميال الى السكون والدعة ، بعكس الشعب اليوناني وشعوب اوروبا ، انه يشبه الشعب الامريكي الذي يرغب في ان يعيش ويموت في نفس المكان ونفس البلدة ونفس الحارة ونفس المنزل ... الفلسطينيون طردوا من أرضهم ما خلّف لديهم عقدة التمسك بالمكان لدرجة مبالغ فيها فترى بن جنين يعمل في رام الله ويعود الى بيته في نفس اليوم لكنه يعتقد انه مغترب ، وترى بن الخليل يشعر بالحنين الى بيته اذا ما وصل الى بيت لحم ، واهل غزة مقتنعون ان رام الله غربة بعيدة فيما المبعدين من كنيسة المهد يرون غزة بعيدة جدا جدا عن بيوتهم !!!! اما محمود درويش فكتب ما يخالف العادة وقال : الطريق الى البيت اجمل من البيت .

وانا لم اكن ارغب في حشر نفسي في موضوع مسلسل محمود درويش ، لكن اجدني مضطرا للقول : ماذا داهكم ايها المثقفين ؟ واذا لم يعجبكم مسلسل درويش الحالي اعملوا عملا اخر افضل منه بدلا من هذا الصراخ ؟؟؟؟؟ ولماذا لم يقم احد حتى الان بعمل تلفزيوني يؤرخ شهداء عكا ( محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير ) ؟ لماذا لم يؤرخ اي عمل تلفزيوني سيرة الشهيد السوري الشيخ عز الدين القسام ؟ لماذا لم يؤرخ اي عمل تلفزيوني سيرة المجاهد الحاج امين الحسيني ولا عبد القادر الحسيني ؟ لم نؤرخ عرفات ولا حبش ولا اي قائد اخر ... والان حين جاء احد ليؤرخ درويش قامت الدنيا ولم تقعد .

يبدو اننا جميعا نشبه وليد مسعود ، واذا لم نؤرخ انفسنا فلن نجد احدا يؤرخنا ، وهناك رواية شهيرة للروائي الكبير ابن حارة السريان ببيت لحم الكاتب الصحافي المرحوم جبرا إبراهيم جبرا ، وتدعى الرواية ( البحث عن وليد مسعود ) وقد أرّخت لجيل من المثقفين في الشرق الأوسط نشرت أول مرة عام 1978.والغريب انه لولا ان جبرا ابراهيم جبرا أرّّخ نفسه لما وجد احدا من فلسطين يؤرّخه .

وتتمحور الرواية التي تنقسم إلى 12 فصلا حول وليد مسعود الفلسطيني المتمرد الذي ترك خلفه تاريخا من النضال ضد المحتل اليهودي في فلسطين والغارق في شبكة من علاقاته الاجتماعية المعقدة . والحقيقة ان رواية البحث عن وليد مسعود ومثلها البئر الاولى من اهم الروايات الفلسطينية ، وانا شخصيا عرفت تاريخنا الفلسطيني وتاريخ بيت لحم من خلالها .

لنتحلّل من عقدة الخوف من العمل ، وليكن شعارنا : انا لا الوم الذين لا يعملون ، لكنني ألوم الذين يجرح شعورهم ان يعمل الاخرون .