الجمعة: 19/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

مفاجأة من القيادة للشعب الفلسطيني

نشر بتاريخ: 26/04/2012 ( آخر تحديث: 28/04/2012 الساعة: 21:51 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - في 17 من الشهر الجاري قرأنا وسمعنا شعارات عن اهمية اطلاق سراح الاسرى تكفي لاطلاق سراح جميع اسرى العالم منذ سجون سليمان القانوني وحتى سجون درعا ، ولكن كل هذه الشعارات من المسؤولين لا تساوي في قيمتها يوم اضراب واحد عن الطعام يخوضه اسير فلسطيني مقهور ومظلوم في زنازين الاحتلال ... واعتقد ان الشارع الفلسطيني ذكي بما فيه الكفاية ليفرق بين خطاب مسؤول يمتطي سيارة فارهة وحوله حرس وفرس وجرس ، وبين صرخة استغاثة من ثائر جفّ حلقه بانتظار ينابيع الفرج ولوّحت وجهه شمس الحرية .

وفي اعقاب صفقة تبادل الاسرى كثرت الاضرابات وسط الاسرى وبشكل غير ممنهج وفردي احيانا وجماعي احيانا اخرى ، ما يشير ان هناك "ثورة غضب " في سجون الاحتلال ضد المسؤولين في الخارج من جهة وضد مصلحة سجون الاحتلال من جهة اخرى ، ولا تستطيع خطابات المسؤولين ومن كل الفصائل في يوم الاسير ان تخفي هذا الغضب الكبير على بقائهم في الزنازين . فالاسرى لا يحتاجون الى خطابات او هواتف نقالة ورتب وهمية بل يحتاجون الى الحرية . وفي وقت لاحق يمكن ان نتحدّث بالتفصيل عن الخلل الاستراتيجي في التعامل مع قضية الاسرى والخلل الكبير في استراتيجية المؤسسات المختصة والوزارات التي صارت عن قصد او من دون قصد مجرد جيش كبير من المؤسسات البيروقراطية والمحامين والمستشارين والموظفين والباحثين والعاطلين عن العمل تستنزف المال العام من اجل دفع ثمن السجن للاحتلال ولادارة قضية الاسرى وعائلاتهم وليس لاطلاق سراح الاسرى .

و لا يمكن لاي انسان ان يعرف معنى الاضراب عن الطعام في سجون الاحتلال الا اؤلئك الذين مرّوا بالتجربة او اهاليهم ، وكيف يصبح الموت جوعا اكبر خطر يحيق بالانسان ، انه امر مختلف تماما عن الصوم في رمضان او صوم الاربعين عند النصارى ، فالصائم يعرف انه يجوع لفترة محددة اما الذي يخوض الاضراب عن الطعام فهو انسان قرر الكف عن تناول اي نوع من انواع الطعام الى حين الموت جوعا اذا لم تتحقق مطالبه .

في اليوم الاول جوع شديد لكن الخجل من رفاق السجن يمنع الرجال من اظهار الالم ، في اليوم الثاني مغص والام في البطن مع شعور بالدوخة ، في اليوم الثالث يخف الالم لان الدوار هو الضيف الجديد على الجسم ، وفي اليوم الرابع يبدأ الجسم بأكل نفسه وفي الخامس لا يعود الاسير يشعر سوى بالدوخة والرغبة في التقيؤ .
في اليوم السادس تتحفّز حاسة الشم ويستطيع الاسير ان يشمّ رائحة الاكل عن بعد مئات الامتار وفي السابع والثامن والتاسع يخلد للنوم كثيرا فترى قادة الاسرى يجبرونهم على النهوض للتريّض والاكثار من شرب الماء واكل الملح حتى لا يتعفن الجسم .
في اليوم العاشر يبدأ شعر الرأس بالتساقط وتظهر علامات ضعف الجسم بشكل غير مسبوق وبين اليوم العاشر والخامس عشر تبدأ من جديد المعاناة على جسد كل من عانى من اصابة او مرض سابق ويتلقف الاسرى اي نبأ او اي خبر من الخارج فتصبح كل حياتهم مرهونة بخبر صغير على المذياع عن مسيرة تضامنية معهم او مسؤول يناصر قضيتهم وهي اخبار لا تقدّر بمال العالم ، وفي اليوم السادس عشر ترى عنابر السجن اشبه بغرفة انعاش مكثّف وباستثناء بعض الاسرى لا ترى احد يقوى على النهوض على قدميه ، وفي اليوم السابع عشر تكثر ساعات النوم لتصل الى 17 ساعة يوميا وفي اليوم الثامن عشر يعصى الجسم على صاحبه فلا تقبل الشهية ان تتناول الملح او الماء رغم الخطر المحدق بهم ... في اليوم التاسع عشر يدخل الاسير مرحلة الغيبوبة في كثير من الاحيان ، وفي اليوم العشرين يدخل مرحلة اللاعودة ويواصل عناده الثوري ويقرأ الفاتحة على روحه ويواصل .
كتبت لي الاقدار ان اعيش هذه التجربة 3 مرات في 3 سنوات ، وانا اعتبرها من اسوأ فترات حياتي التي كنت اتمنى فيها الموت في اي حادث سوى الموت جوعا لانه اهانة للنفس البشرية التي كرّمها واكرمها الله .
وبكل حال من الاحوال فان تجربة الحركة الاسيرة في الخمسين سنة الماضية تثبت انه لا يمكن للاسرى ان ينتصروا في هذه المعركة من دون مساعدة الشارع الفلسطيني والعربي ، وان على كل فلسطيني ان يبدا بالعمل من اجل مناصرة الاسرى والضغط على الاحتلال من اجل فك الاضراب بنجاح ودون استشهادهم .

اخوتي واخواتي ،
في هذه الايام حيث يشارف الاسرى على انهاء الاسبوع الثاني من الاضراب ، يجب البدء بالتحرك السياسي والقانوني الدولي والاعلامي الزاحف من اجل اضراب الاسرى ... وليس المقصود استخدام نفس الاساليب المعتادة باخراج طلبة المدارس للتظاهر في الشوارع بل التحرك السياسي الكبير وباي شكل كان من اجل اقناع نتانياهو على الايفاء بوعد الحكومة الاسرائيلية السابقة باطلاق سراح عدد مماثل للاسرى في صفقة شاليط وفك الاضراب فورا .

قديما كنا نغنّي للفدائيين قصيدة الراحل توفيق زياد ( اناديكم واشد على اياديكم وابوس الارض تحت نعالكم واقول افديكم ) اما اليوم فنغنّي للقادة والمسؤولين ونجوم التلفزيون ونقول لهم من دون اي خجل ( نناديكم ونشد على بناطيلكم ونبوس ظهور اياديكم واقدامكم اسكتوا قليلا وفكّروا قليلا وكفّوا عن المناظرة والمزاودة بين القوى وفاجئونا . نعم فاجئونا ولو مرة واحدة في حياتنا ) .

فقد صار عندنا امنية ان القيادة تفاجئنا يوم بخبر سار وحرروا اسرانا الذين كانوا في يوم من الايام نمور الفلا وفهود حمراء ونسور حمراء وضحّوا بحريتهم من اجل ان تصبحوا قادة على شاشات التلفزيون .