الخميس: 18/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نحتاج الى رامي ليفي فلسطيني قبل ان نقاطع رامي ليفي اليهودي

نشر بتاريخ: 14/06/2012 ( آخر تحديث: 18/06/2012 الساعة: 12:55 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير - رامي ليفي ليس اسما مستعارا وانما هو الاسم الحقيقي لشاب يهودي صاحب متجر صغير في شارع محنيه يهودا ( معسكر اليهود ) في القدس ، وقد لفت انتباهه خلال وجوده في الحانوت ان التجارة تربح جيدا وانه لا داعي لرفع الاسعار بشكل كبير من اجل ان يربح التاجر ، بل افترض مع نفسه انه كلما قام التاجر بتخفيض اسعار البضائع فانه يمكن ان يربح اكثر !!!

وبالفعل وفي نهاية الثمانينيات قرّر ان يقوم بتخفيض اسعار بضائعه ليحصل على ربح اكبر ، فسخر منه التجار اليهود وضحكوا على فكرته حتى بانت نواجذهم ، وتوقّع خبراء السوق ان يفلس رامي ليفي باسرع من رمش العين .. لكنه صمّم على تنفيذ فكرته واعلن امام سكان الحي انه يريد ان يبيع باقل من سعر السوق ، وهذا ما كان .

والمفاجئ في الامر ان الزبائن اليهود سارعوا من كل صوب وحدب الى متجره وباع جميع بضائعه بسرعة عالية وحقق ربحا مقبولا بوقت اسرع من الفترض فملأ متجره مرة اخرى واخرى واخرى حتى اصبح له اكثر من 30 فرع في جميع انحاء اسرائيل وصار مليونيرا واشهر من نار على علم وينافس كبرى شركات التسويق الرأسمالية وتعجز كل المنافسات عن كسره او احباطه او افلاسه لان الفقراء التفّوا من حوله .

رامي ليفي وفي لقاء معه ، بدا رجلا بسيطا وهادئا ومتواضعا وشرح لمحطات التلفزة نظريته التجارية بكلمات بسيطة ( الزبائن منهكون من ارتفاع الاسعار ومع ذلك تزداد شهيتهم للشراء كل يوم ، وانا حققت لهم امنيتهم بالشراء اكثر وبسعر اقل وحققت لنفسي امنيتي ان ابيع اكثر واربح اقل ) .

كبار الرأسمالين والتجار في اسرائيل "يكرهون" رامي ليفي ويعتبرونه طفرة ظهرت في مجتمعهم ويجب ان ينصرف ، الا ان حب الجمهور اليهودي ( والعربي ان جاز التعبير ) لفكرة ان يشتروا صندوق رجاجات الكوكا كولا الكبير مقابل 4 شيكل فقط " نحو دولار " يجعل من نجاحاته لا تتوقف ، فملأ الدنيا واشغل الناس . ولما لم يتمكن كبار التجار والاسواق الاحتكارية من محاربته وهزيمته حاولوا ادخاله في السياسة وطالب الحاخامات منه عدم تشغيل عمال عرب .

بالفعل طالب بعض الحاخامات من رامي ليفي مالك المجمع التجاري الذي افتتحه بالقرب من مجمع مستوطنات "عصيون" جنوبي مدينة بيت لحم، بابعاد العمال العرب الذين يعملون داخل المجمع عن الموظفات اليهوديات، خوفا من تطور العلاقات بينهم. لكن العمال العرب واصلوا العمل هناك والمتدينات اليهوديات واصلن الشراء من هناك .

كما ان وزارة الاقتصاد الفلسطيني وحماية المستهلك الفلسطيني اصدرت بيانات تجرّم الشراء من رامي ليفي لان له فروع في المستوطنات . وهو يرد على ذلك بالقول : انا لا افهم بالسياسة ولا اريد ان اتدخل بالسياسة .وهنا نحن لا ندافع عن البضائع الاسرائيلية وانما نناقش الفكرة فقط .

من جانب اخر قال الاستاذ صلاح هنية رئيس جمعية حماية المستهلك الفلسطيني في رام الله، والمنسق العام للراصد الاقتصادي، على أن اتفاقا قد تم مع نائب محافظ رام الله والبيرة يجرّم كل من تثبت علاقته بالتسوق من المركز التجاري الاسرائيلي "رامي ليفي".

لكن الاستاذ هنية لم يغفل عن فكرة اهم وهي الدعوة التي وجهها لوزارة الاقتصاد الوطني داعيا لتكثيف حملات الرقابة على السوق الفلسطيني، في الوقت الذي يشهد فيه ارتفاعا ملحوظا للأسعار بصورة تفوق القدرات الشرائية للمستهلك الفلسطيني، مشيراً الى ارتفاع في اسعار اللحوم والخضروات والملابس.

عود على بدء .... الاسعار في السوق الفلسطيني غالية جدا وغير مراقبة ابدا ، وتكسر ظهر المواطن والموظف ، ولا تناسب القيمة الحقيقية للبضاعة ، فبأي حق يكون ثمن وجبة ناشفة او ساندويتش جاف 5 دولارات ، وباي حق يكون سعر السيارة في السوق الفلسطيني ضعف ثمنها في بلد تصنيعها . وبأي حق لا يوجد اي رقابة على نسبة الربح على البضائع المستوردة رغم ان معظمها سئ الجودة ويشمل ذلك العاب الاطفال ؟؟؟؟ وبأي حق تكون فاتورة اسرة للعشاء في مطعم شعبي او متوسط تصل الى مئة دولار ؟؟؟؟؟؟؟. في حين راتب الموظف في السلطة عدة مئات من الدولارات .

تدخل اي سوبارماركت في رام الله وتدفع مئة دولار ثمن احتياجات يومية للمنزل ويكون سعر البضاعة اقل بكثير في الخليل واقل منهما في نابلس واقل بالنصف في اي قرية نائية !!!!!! الى جانب اسعار المدارس الخاصة والتي صارت تنافس الجامعات الامريكية واسعار المواصلات والسجائر وحتى سعر السم في بلادنا اغلى من سعر السم في مكان في العالم ، والسوق حر للجشعين والطماعين واللصوص وليس حرّا امام المواطن العادي او الفقير .

وقد لفت انتباهي في اطار النزعات الاستهلاكية المحمومة ان الاغنياء وسكان المدن صاروا يفضلون التسوّق من الاسواق الشعبية وامام المخيمات ، في حين يسارع الفقراء وابناء القرى والمخيمات للتسوق من اغلى اسواق المدن للحصول على نوع من التوازن النفسي !!

فلسطين لا تحتاج الى المزيد من المولات والمحلات التجارية الغالية ذات الابواب الزجاجية المضاءة ، وانما تحتاج الى اسواق شعبية تجارية ومجمعات ضخمة على اطراف المدن تبيعنا البضائع باقل ربح ممكن ... نحن بحاجة الى رامي ليفي فلسطيني ، وانا امل ان يسمعني اغنياء تجار نابلس والخليل لانهم الاكثر قدرة وكفاءة على انجاح هذه الفكرة .