الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

"خير اللهم اجعلوا خير"

نشر بتاريخ: 12/03/2014 ( آخر تحديث: 15/03/2014 الساعة: 12:04 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

تجرأت وسألت مجموعة من الاصدقاء عن احلامهم، وتسبب ذلك بنوبة من الضحك اذ اتضح لنا ان احلامنا في معظمها كوراث وافاعي وخوف وأشياء معيبة ومواقف محرجة. والاهم ان ايا من الجالسين لم يحلم بأي موقف سياسي .. وكأننا ننام اصلا لننسى السياسة والمسؤولين.

انا من جيل تربّى على مشاهدة بساط الريح وكيف يمكن لاي طفل ان يركب "الحصيرة" ويطير فوق الفيافي والوهاد ليصل الى غايته دون ان يمنعه احد من تحقيق ذلك، وهو نفس الجيل الذي قرأ قصة "طاقية الاخفاء" التي تمكّن صاحبها من الذهاب الى اي مكان ومشاهدة اي شئ دون أن يراه احد فيعمل الخير ويمنع الشرّ وتعجب به بنات العاصمة لشدة بأسه وعفة نفسه وشهامته، ومن ذلك الجيل الذي أبلغه المعلم ان السلطان كان يتفقد شوارع المدينة فالتقى به فجأة وسأله عن احوال الرعية فأجابه بكل صراحة، فاعجب السلطان كثيرا باجابته وبكى من شدة الألم وأمر باصلاح الفساد وأجزل له العطاء.
وبالتالي صرنا نحلم أجمل الاحلام واكثرها لذة دون ان يردعنا أحد، فبساط ريحنا موجود وطاقية الاخفاء تحت ابطنا والسلطان "زلمتنا" وفي "الجيبة يعني".

وحين كبرنا، اتضح اننا لا نملك خطوط طيران وان قصة بساط الريح مجرد خدعة وعلينا ان نخضع لجميع انواع التفتيش في مطار اللد حين نسافر بوثيقة "لا سياسي" التي كنا نحملها قبل جواز السفر الفلسطيني، وان جميع من في المطارات يقوم بتفتيشنا ونبش حقائبنا ويطلب منا ان نجلس لساعات طويلة للتحقيق.

وحين كبرنا عرفنا انه لا يوجد طاقية اخفاء وان الوالد والأعمام والأخوال والشقيق الاكبر وأولاد العم والمعلم ومدير المدرسة وشيخ المسجد ومن قبلهم اجهزة المخابرات يعرفون كل شئ عنا، ويراقبوننا ويلاحقوننا ويستطيع اي شرطي ان يلقي القبض علينا، ولا اذكر اننا جرؤنا على الخروج من المنزل من دون ان نحمل بطاقة الهوية التي لا يتسع لها محفظة الجيب لانها كبيرة الحجم و "غبية" ولونها برتقالي استفزازي.

وحين كبرنا علمنا ان السلطان لا يسير في شوارع المدينة ليتفقد الأحوال، وان فعلها وخرج يتفقد لا يتحدث مع أشكالنا وانما تكون الحاشية من حوله ويتحدث مع رؤساء البلديات واعضاء البرلمان وقادة الاجهزة، وان صادفناه فاننا لن نشكو له سوء الحال بل سنسارع لنطلب منه اشياء خاصة بنا وبعائلاتنا مثل درجة ترقية او سيارة او وظيفة.

وبالطريقة الصعبة تعلّمنا ان الاحلام ليست سهلة، وان العمال والمزارعين والفقراء وسائقي السيارات والفقراء لا يحلمون لانهم ينامون من شدة التعب ولا يفيقون الا في الصباح. وان الذي يحلم اسير او عاطل عن العمل. والاحلام المنتشرة في بلادنا "غريبة" او مخجلة.. وفي معظمها "مشاكل صحية" وعمليات جراحية وحرائق وزجاج يتحطم او ان ثعبانا كبيرا لدغ فلانا فتشعر وانت تستمع للناس انك تقرأ صفحة الحوداث المرعبة. والأغرب من هذه الاحلام هو الذي يقوم على تفسيرها لاصحابها، فتجد ان الذي يقوم بالتفسير ينتقم من "الضحية" ويزيد من همومه ويخلط العدس بالملح بالثعبان مع موت محتمل لقريب فيخرج صاحب الحلم يقول في نفسه ( يا ليتني لم احلم ولم أنم) .

وان نتعلم كيف نحلم، نتعلم كيف نحيا. فاحلامنا هي مستقبلنا ومستقبل اولادنا ... والكثير منا يخجل من احلامه، او أنّ عليه ان يخجل من احلامه.