الثلاثاء: 07/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

" غزوة عتسيون" تنافس المونديال . وعلم الخليل يعلو على اسبانيا

نشر بتاريخ: 14/06/2014 ( آخر تحديث: 16/06/2014 الساعة: 11:34 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

استعدت جماهير الارض المحتلة لمتابعة المونديال ، وكانت اكبر همومهم في الايام الماضية توفير 1250 شيكل لشراء جهاز البث الاصطناعي الرياضي لمتابعة المباريات ، ولولا المحطات الخاصة لكان وضع الفقراء صعبا ... ولكن حكمة السماء لم تترك العباد بلا رحمة ، فاعلنت اسرائيل اختطاف ثلاثة مستوطنين ، ورأيت الناس يتركون المباريات ويتابعون " غزوة الخليل " . وهو درس اخر من دروس الحياة ، وان الغيب في علم الله .

انتشرت ظاهرة شراء اعلام الدول المشاركة في المونديال ، وانشغلت محلات تجارية ببيع اعلام اسبانيا والمانيا وهولندا ، ويبلغ ثمن العلم مع العصا 25 شيكلا ، اما من دون عصا فيمكن الحصول عليه بعشرين شيكلا فقط . وقد تحوّلت حارتنا الى ما يشبه مقر الامم المتحدة فرفعت اعلام جميع الامم ، وسألني احد الاطفال بعد عملية الخطف : ألا يوجد علم للخليل ؟

النكتة انتشرت بعد عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة ،ومن قبلها انتشرت بشكل حاد وقاسي مع تشكيل حكومة الوفاق الوطني ولكن المسؤولين عجزوا عن فهم وتحليل المزاج الشعبي . وان شعب فلسطين يأتي في الدرجة الثانية بعد مصر في عشق النكتة ، وهو يميل الى الملح والطرائف وبشغف كبير ، وقد أبدع رسامو الكاريكاتير والصور الفوتوشوب عند وقوع عملية الاختطاف في التعبير عن عملية الخطف على خلفية الامر سيكولوجيا وسوسيولوجيا . ومن بين هذه النكات عتب على الخاطفين لو انهم اختطفوا اربعة لكان افضل للمخطوفين ان يلعبوا الطرنيب " لعبة الورق " . والنكتة اصدق من التحليل السياسي ونشرات الاخبار لانها بعيدة عن النفاق الاجتماعي و" الادب " والالتزام ، فتخترق القوانين وتضرب بعرض الحائط كل اللوائح وتكسر حواجز الممنوع وتحطم تماثيل التابو وتغرق المنطق في مستنقعات الحيرة وتفجّر الالتزام في خنادق حرب البقاء .

وكنت في مقالة سابقة بعنوان " مرة واحد محشش " قلت ان اجهزة المخابرات تتسابق في جمع النكات لانها تمثل عينة عن المزاج الشعبي العام ،
ولا داعي لتكرار القول ان النكتة تمثل التعابير الرمزية و المخزون الثقافي المكثّف للحالة النفسية للمجتمع و تكشف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن الجوانب الخفية و الحقيقية للمجتمع سواء أكانت في شكل مواقف أو تطلعات أو رغبات مكبوتة.
صحيح ان النكتة تثير الضحك او تتعمد استخراج الضحك ، الا انها تمثل وصفا دقيقا للواقع المعاش ، وتمتاز النكتة بسرعة الانتشار والاختصار المقتضب صفتان ملازمتان للنكتة ، وهو امر يجعل من شبه المستحيل السيطرة على النكتة .بل ان الحكومات التي حاولت ان تحارب النكتة ساهمت عن غير قصد في زيادة انتشارها .

وتأتي عملية الخطف هذه الايام والجماهير مليئة بمشاعر السخط والسخرية ، مليئة بالضغط النفسي والتقمص الاسقاطي والعدوان اللفظي والازدراء للاخر وضرب القوانين واللوائح بعرض الحائط . ومخابرات اسرائيل - ميزانية المخابرات لوحدها اكثر من 8 مليار - فشلت في تكوين صورة عما حدث في عملية الاختطاف ، وقد فشلت في تقدير الموقف في الضفة الغربية مرة اخرى ، ولا تعلم ان الحل العسكري لا يمكن ان يجلب الاستقرار لامنها . وان المستوطنين في اسفل الهرم الغذائي لاي صراع قادم .
وحتى لو عثرت اسرائيل على المخطوفين . فان الدرس أكبر بكثير من ان تستوعبه عقول الاحتلال المريضة .