الأربعاء: 08/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تفاح المجانين

نشر بتاريخ: 25/06/2014 ( آخر تحديث: 29/06/2014 الساعة: 13:22 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

يُحكى ان شجرة تفاح نمت في بلدة بعيدة، وان تفاحها كان يذهب العقل ويبدد الحكمة، وكل من اكل من هذه التفاحة فقد رشده وهام في البراري يقول ما لا يقال، ويفعل ما لا يفعل.

ولمّا اكل جميع اهل القرية منها، صاروا في حالة يصعب وصفها. الا رجل واحد امتنع وقال لهم ان هذه الشجرة تذهب العقل. فسخروا منه وزجروه وضحكوا من اقواله حتى صار منبوذا. وحين حاول قطع الشجرة هددوه بالموت الزؤام لانه يعتدي على شجرتهم المقدسة التي "أرسلها الله لتجعل قلوبهم سعيدة".

وحاول ان يهديهم، وحاول ان يمنعهم، وحاول ان يرشدهم دون جدوى، فصاروا هم في سعادة وانسجام، وصار هو في حزن وكمد عميقين.. ومن شدة الغضب، ما كان منه الا ان أكل من هذه الشجرة. فصار مثلهم يركض ويضحك ويقول ما لا يقال ويفعل ما لا يفعل.

وفي فلسطين نمت أشجار كثيرة، واكل منها جمع غفير، ويشعرون بسعادة واهمة ويقفزون من مكان الى مكان، ويرقصون ويحتفلون بانتصاراتهم، ومشاريعهم التي لا تنتهي، وهم يركضون من منصة الى منصة ومن فضائية الى فضائية ويسردون القصص والحكايا عن الشجرة، والثمرة، والكاميرا.

والناس في فلسطين نوعان، فئة أكلت من الشجرة وتقفز طربا وسعادة، وفئة لم تأكل- او ربما لم تحصل على فرصة لتأكل من الشجرة- فتراهم مسربلين بالحزن واللوعة، والشجرة تكبر وتكبر وتطرح المزيد من تفاح المجانين، والافواه جائعة تأكل وتزيد من النهم.