الإثنين: 06/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

تايم اّوت - كيف نتحرر من دون دماء وقتل وعنف ؟

نشر بتاريخ: 05/07/2014 ( آخر تحديث: 06/07/2014 الساعة: 13:47 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

بالتزامن مع المونديال يمكن القول إن شعوب امريكا اللاتينية جميعها تقريبا قد تحررت من الطغاة ومن القمع والحكومات العميلة للامبريالية والمخابرات الامريكية من دون عنف او مذابح وقتل لبعضهم البعض، بل من خلال برنامج مجتمعي وطني نضالي اكتسح صناديق الانتخابات واطاح بالحكومات القديمة وانتخب ابطال وزعماء شعبيين لم ينقلبوا على النظام العالمي ولم يغلقوا سفاراتهم او حدودهم في وجه احد، ولكنهم وضعوا لبلادهم قوانين وطنية تحميها من الطغيان والشركات العالمية التي جاءت لتنهب خيراتهم وتحوّلهم الى عبيد مأجورين.

وللعلم فان المواطن الامريكي يحتاج الى "فيزا" لدخول معظم هذه الدول . وكما ان امريكا تطلب "فيزا" منهم لدخول اراضيها طلبوا هم بالمقابل "فيزا" من كل امريكي يريد دخول اراضيهم؟.

ومن القصص الغريبة والعجيبة التي سمعتها حين زرت تلك البلاد ، ان السلفادور – عاصمتها سان سلفادور وعدد سكانها نحو 10 مليون نسمة - قد شهدت قبل خمس سنوات انتخابات رئاسية وقام بترشيح نفسه للرئاسة اثنان من مدينة بيت لحم الاول من عائلة السقا المعروفة، والثاني من عائلة حنضل المعروفة ، المرشح من عائلة السقا كان عن حزب اليمين والمرشح من عائلة حنضل كان عن حزب اليسار ، وفاز السقا بالرئاسة ولكن للاسف لم نستغل نحن الفلسطينيين الامر بقدر ما استغلته اسرائيل والتي حظيت بتعيين سفيرة من اصل يهودي للسلفادور في تل ابيب !!

اما في الارجنتين- عاصمتها بوينس ايريس أي ( الهواء الطيب ) وعدد سكانها 40 مليون- فكان يرأسها اللبناني الاصل كارلوس منعم والان تقودها الرئيسة كريستيا دي كيرشنر وهي رئيسة شجاعة تحب فلسطين وتعتبر من اشجع زعماء القارة – مع العلم ان هذه شعوب تحترم المراة وقدراتها والمرأة هنا قليلة "الماكياج" والتبرج ، وتشارك في كل انحاء الحياة وتعمل في الاطفاء والامن والشرطة والرئاسة والكناسة مثل الرجل تماما وليست ماكنات تفريخ للعبيد كما يعتقد البعض .

البيرو – وعاصمتها ليما وعدد سكانها نحو 25 مليون نسمة – كان من ابناء جلدتها بيريس دي كويار امين عام الامم المتحدة في نهاية السبعينيات والان يرأسها اّلان جارسيا وهو يساري المنشأ لكنه الان من احزاب الوسط.

اما البارغواي وعاصمتها اسومبسون وعدد سكانها نحو 10 مليون نسمة فهي دولة فقيرة الموارد وانتخبت قبل سنتين راهبا لرئاستها يدعى فرناردو لوغو ، وقد درس رئيسها في مدينة بيت جالا ولكن ارتفعت ضده 8 قضايا نسب واعترف هو بخمسة منها حيث قالت نساء انهن انجبن منه اولاد وبناتا واضطر للاعتراف باولاده فانشغل مؤقتا عن الاعتراف بدولتنا فلسطين العتيدة .. دولة صديقة لفلسطين وشعبها طيب وحكومتها ورئيسها احرار طيبون ويحبون فلسطين ويعرفون عنها الكثير حيث كان الرئيس لوغو في بيت جالا حين احتلها شارون عام 2002 فتأثر بذلك كثيرا.

الاوروغواي- عاصمتها مونتي فيدرو وسكانها نحو 4 مليون نسمة – يقودها حاليا الرئيس بيبي موخيكا وهو ليس شابا بل 76 عاما من العمر لكنه كان من الثوار الاشداء في منظمة توباك امارو وفي جسده 6 رصاصات ، رجل حر ومناضل ومقاتل ويعرف معنى الحرية.

وفي الحفل الذي حضرناه لتنصيب الرئيسة ديلما كانت وسائل الاعلام انشغلت بتصوير نائب الرئيسة وهو ميشيل تامر لبناني الجنسية وزوجته الجميلة مارسيلا ، حيث اهتمت وسائل الاعلام هنا بصورها باعتبارها ملكة جمال سابقة.

ومع أن اللبنانيين يزيدون في بلاد الأمازون، التي هاجر أوائلهم اليها قبل 130 سنة، على 6 ملايين مغترب ومتحدر تقريبا، أي أكثر من 3 % من سكانها البالغين 194 مليونا، الا أن أحدا منهم لم يصل الى منصب سياسي كالذي وصل اليه اللبناني الأصل، ميشال تامر، فهو نائب رئيسة البرازيل الجديدة ديلما روسّيف. وزوجته تصغره بأكثر من 42 عاما وهي ملكة جمال سابقة وبدأوا يسمونها "كارلا بروني أميركا" لأنها عارضة أزياء سابقة وايطالية الأصل كزوجة الرئيس الفرنسي تماما، ومثلها تحمل لقبا سيفرغ في البرازيل حين تحكمها روسّيف بدءا من أول يوم في العام الجديد، وهو لقب السيدة الأولى.

الاوكوادور – عاصمتها كيتو وعدد سكانها 15 مليون نسمة – يقودها حاليا رئيسب يدعى رفائيل كوريا وهو ضمن محور البا – أي محور يقوده الرئيس الفنزويلي تشافيز .

بوليفيا – عاصمتها لاباس ورئيسها الصديق ايفو موراليس – والغريب انها ترتفع 4000 متر فوق البحر وكما قلنا في تقرير سابق لا يستطيع لاعبو كرة القدم البرازيليون اللعب في استادها ويضطرون لاخذ الهواء الاصطناعي لمواصلة اللعب ولا يحظون بالفوز لانهم غير معتادون على هذا الجو ...

اكبر جاليات العرب في امريكا اللاتينية هم اللبنانيون ثم سوريا وبعدها فلسطين – أي جميعهم من بلاد الشام تقريبا وفي الامريكيتين 12 مليون عربي ينضوون تحت راية منظمة "في ارب ".

وللعلم فان دولا مثل كوبا تعطي فلسطين سنويا منحا دراسية في تخصص الطب وجامعات القارة هنا عريقة عمرها يزيد عن 200 عاما وهناك منح دراسية للطلبة الفلسطينين في البرازيل والمكسيك وفنزويلا .

السفير الفلسطيني الدكتور منجد صالح قال لي ان اوروبا قد استهلكت مواردها الطبيعية تقريبا فيما تعتبر هذه القارة غنية والان هي الاولى في العالم من ناحية الطاقة البديلة واعادة التصنيع من النفايات ووالخيرات الطبيعية العظيمة مثل المطاط والبن والزراعة .

وجبال بوليفيا مثلا غنية بالالماس والذهب واليورانيوم والبرازيل ، والارجنتين قوة زراعية هائلة في العالم ، فيما تشيلي هي المصدّر الاول للنحاس ، وفنزويلا بعد السعودية في اكبر الدول المصدرة للنفط في العالم .

اما كوبا فهي تشتهر بجامعاتها في تدريس الطب التخصصي .

وردا على سؤالنا حول نسبة التدين هنا فان معظم الشعوب هنا من مذهب الكاثوليك وان رجال الكنيسة هم في غالبيتهم محبوبون من الناس لانهم ساعدوا الثوار ووقفوا الى جانب الناس وليس الى جانب الطغيان . ونذكر قمة دول الميركوسور التي تجمع برازيا وارجنتين واوروغواي وباراغوي .

وهل يعمل البرازيليون واللاتينيون خدما في البلاد الغنية ؟
الاجابة : كلا كلا انهم يعملون في مهن وهم حرفيون وليسوا خدما .

حسنا وكيف يمكن ان يكون أي تعاون بيننا باستثناء السياحة الدينية ؟ طالما انها قارة غنية ولا تحتاج العرب ؟ الاجابة : انهم معنيون ان يستوردوا من فلسطين الحجر والزيتون ولوحات التطريز الشعبي ، فهم يحبون اقتنائها .

وبمناسة المونديال واثناء مشاهدة مباريات كأس العالم انظروا الى زاوية اخرى وهي ( الحرية ) وان نتنفس هواء الحرية وننتصر على ذاتنا وعلى خلافاتنا التافهة وعلى مشاكلنا الداخلية وعلى ان الاخرين سوف يحررون لنا وطننا . وان نستخلص العبر ان النصر يأتي من صدور الرجال ، وليس بالعنف وحده تنتصر الثورات بل بزعماء وقادة وشعوب مؤمنة بنفسها وبقضيتها .

وكما قال السيد المسيح: ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم وخسر نفسه ؟ وقبل ان نحرر الارض ونزيد من مساحة مناطق الف ومناطق باء علينا ان نحرر ارواحنا من الخوف وعقولنا من العبودية واحزابنا من الخلافات الداخلية . حينها سننتصر وسيذهب الاحتلال والعبودية الى الجحيم .