الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

أولوية ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي

نشر بتاريخ: 13/12/2015 ( آخر تحديث: 13/12/2015 الساعة: 14:44 )

الكاتب: المحامية فدوى البرغوثي

لم يعد خافياً على أحد ان ما يسمى عملية السلام والمفاوضات فد فشلت تماماً، وان الرهان عليها أصبح رهاناً على الفشل ذاته، وان خطاب الرئيس في الأمم المتحدة 30/9/2015 شكل إعلاناً واضحاً عن هذا الفشل، كما لم يعد خافياً على أحد ان حكومات الاحتلال المتعاقبة كرست كل جهودها وامكاناتها لإجهاض إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وهي مستمرة في تنفيذ هذا المشروع، كما لم يعد خافياً ان حالة الإنقسام الأسود الحقت ضرراً جسيماً بالقضية الفلسطينية ومكانتها العربية والدولية وبالنضال الفلسطيني، وكانت ولا زالت سبباً في الفشل باستثمار التضحيات الفلسطينية خلال السنوات الماضية. 

ان الهبة الشعبية تأخرت قليلاً أو كثيراً بسبب حالة الإنقسام وغياب الإرادة السياسية الجامعة، وأثبتت هذه الهبة مجدداً ان الرهان الأول والأخير يجب ان يبقى على هذا الشعب العظيم الذي يفاجيء العالم كل مرة ويثبت ان لديه مخزون نضالي لا ينضب وان كل ضغوطات الكون ومغرياته وكل الأضاليل لن تنجح في حرف بوصلة هذا الشعب التي كانت وستبقى متجهة صوب القدس، وستبقى القدس هي القبلة والاتجاه الذي يصوب ليس الاتجاه الفلسطيني وحسب وإنما العربي والإسلامي كذلك، وقد جاءت هذه الهبة بعد سنوات عجاف شهدت أكبر تصاعد لوتيرة الإستيطان والتهويد والحصار والعدوان والقتل والإعتقال والتدمير، وشهدت كذلك تآكل النظام السياسي الفلسطيني الذي يوشك على الإنهيار، وان من يرغب حقاً ومخلص فعلاً ومقتنعاً بتحويل هذه الهبة إلى إنتفاضة شاملة، عليه ان يدرك ان الشرط الأساسي لذلك والخطوة الأولى هي ترتيب البيت الفلسطيني، وان التغني بالهبة والتضحيات وإدارة الظهر لشروط نجاحها فيه قدر كبير من النفاق والتناقض والتضليل. 

وان الخطوة الأولى في ترتيب البيت الفلسطيني تكمن في المصالحة والإستجابة للنداءات الشعبية والأفكار والمبادرات الصادرة عن جهات فلسطينية متعددة، والدعوة لإنهاء الإنقسام والمصالحة، حيث يأتي في هذا الإطار الأفكار التي بلورها مركز مسارات، وما عبر عنه الأستاذ هاني المصري، وما عبرت عنه أفكار د. سلام فياض وأحمد يوسف وغازي حمد وممدوح العكر وغيرهم العشرات، إضافة إلى المذكرات والبيانات الصادرة عن مختلف الهيئات الفلسطينية، وهي أفكار جديرة بأن يتم الإصغاء لها ومناقشتها للخروج من المأزق، وكما ذكرنا فإن الخطوة الأولى واستجابة للإرادة الفلسطينية في الوطن والشتات لا بد من المسارعة لعقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بمشاركة كافة القوى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية وممثلي الرأي العام والنقابات والإتحادات والأسرى المحررين وكافة القطاعات دون استثناء، بهدف التوافق على مباديء إستراتيجية فلسطينية وطنية جديدة مستندة إلى مبدأ الوحدة والتعددية والشراكة الوطنية الكاملة، ومرتكزة الى الوثائق الوطنية المختلفة التي مثلت محط إجماع أو شبه إجماع وطني، وفي مقدمتها وثيقة الأسرى للوفاق الوطني، وعلى ان يقود هذا المؤتمر الى إعادة بناء وتطوير م.ت.ف بمشاركة الجميع بما في ذلك حركتي حماس والجهاد، وتحديد موعد نهائي لإنتخابات رئاسية وتشريعية، وان إنعقاد هذا المؤتمر سيشكل خطوة أساسية وهامة لإجراء الإنتخابات تحضيراً لعقد دورة جديدة وشاملة وموحدة للمجلس الوطني الفلسطيني . 

وتجدر الإشارة هنا الى ان أحد أسباب شلل النظام السياسي الفلسطيني وافتقاده للحيوية والقدرة على مواجهة التحديات والإبداع هو ليس الإنقسام وحسب وإنما غياب الإنتخابات الديمقراطية، وقد حان الوقت للعودة إلى الشعب بإعتباره السيد الأول والأخير ليقول كلمته ورأيه ويمارس حقه المقدس، وإنتخاب رئيس ومجلس تشريعي جديد ومجلس وطني جديد، ولتوليد نخبة سياسية فلسطينية جديدة، تولد من رحم مقاومة الإحتلال وإرادة الشعب الفلسطيني الأصيلة من خلال صناديق الإقتراع، ولا يمكن لأحد أن يقبل إستمرار تغييب الشعب الفلسطيني، والفرصة سانحة الآن للقطيعة مع النهج الذي أستمر خلال السنوات الماضية ولم يجني سوى الفشل، نهج التفاوض ونهج الإنقسام ونهج الفئوية، وعلينا ان نصغي لأصوات وفعل الصغار (الكبار) الذين التقطوا اللحظة، وان نحميهم ونحضنهم ونلتف حولهم، وهذا لا يأتي الا بالإرتفاع إلى مستوى تضحياتهم وشجاعتهم، وذلك من خلال التسريع في الدخول في ورشة وطنية لإنهاء الإنقسام وإنجاز المصالحة بإعتبار ان الوحدة الوطنية قانون الإنتصار وان الإستراتيجية الجديدة تحتاج إلى من يحملها ويحمييها والتي يجب ان تكون على ثلاث ركائز طالما دعا اليها المناضل مروان البرغوثي وتتلخص في الوحدة والمقاومة والديمقراطية، والوحدة هي شرط لجدوى المقاومة للإحتلال وشرط لقطف ثمار الفعل والكفاح والتضحيات، والوحدة أساسها الشراكة على قاعدة التعددية والديمقراطية، وان الوحدة الوطنية هي القلعة التي يجب ان يتم تحصينها خاصة في ظل الإنشغال الدولي والتسليم بالنظرية الإسرائيلية وترك إسرائيل تنفرد بالفلسطينيين وفي ظل الإنشغال العربي الداخلي عن قضية فلسطين وان المطلوب من الجميع ان يتقدموا خطوة إلى الأمام الواحد تجاه الآخر والجميع تجاه القدس ليجدوا أنفسهم في جبهة وطنية واحدة هي جبهة الشعب الفلسطيني الواحد الموحد.