الأحد: 16/06/2024 بتوقيت القدس الشريف

الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطينية ... الدوافع والمعيقات

نشر بتاريخ: 03/02/2016 ( آخر تحديث: 03/02/2016 الساعة: 12:12 )

الكاتب: سمير عباهرة

انغلاق افاق عملية السلام وتوقف المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي دفع ببعض الاطراف الدولية المعنية في الصراع في البحث عن روافع تعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الى واجهة الاهتمام الدولي من جديد بعد ان تراجع لحساب ملفات اقليمية اخرى. وقد وجدت بعض الدول ان تشابك مصالحها هناك تلقي عليها مسئولية عليها ان تتحملها في هذه المنطقة التي تشتد فيها النزاعات والصراعات والتي تنذر بالاتساع ما لم تتوافر الحلول لأشد الصراعات عنفا في التاريخ والتي ابقت المنطقة في حالة من عدم الاستقرار خلال عقود مضت وألقت بظلالها على الامن والسلم الدوليين، مع فرضية تحمل هذه الدول جانبا من المسئولية الاخلاقية والقانونية بصفتها عضو دائم في مجلس الامن من تحرير الصراعات والنزاعات.

فرنسا العضو الدائم في مجلس الامن والتي تحتل مكانة بارزة في السياسة الدولية والأوروبية كانت من اكثر الدول اهتماما لإنهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وخاصة بعد ان اجتاحت اوروبا موجة الاعترافات البرلمانية الاوروبية بدولة فلسطين، ومن ضمنها الجمعية الوطنية الفرنسية "البرلمان الفرنسي" حيث طلبت ان تبادر فرنسا بموقف ايجابي ومسئول لحل الصراع وطالب رئيس الكتلة النيابية للحزب الاشتراكي الفرنسي بأن تكون فرنسا سباقة للاعتراف بدولة فلسطينية، حتى ان رئيسة لجنة الخارجية بالجمعية الوطنية "اليزابيث تيمغو" دعت فرنسا الى اسماع صوتها للعالم بالاعتراف بدولة فلسطينية، هذا اذا اضفنا ان ما يزيد عن 60% من الشعب الفرنسي يؤيد ويدعم اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية مستقلة.وقد شجع الفرنسيين على هذا التطور في مواقفهم سياسة اسرائيل تجاه الفلسطينيين حيث الاستيطان والتهويد ومصادرة الاراضي الفلسطينية وتجاوز اسرائيل لقرارات الشرعية الدولية وعدم التزامها بالقانون الدولي. كل تلك المعطيات وفرت غطاءً ومبررا لصانع القرار الفرنسي لبدء التفكير في الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة.

فرنسا كانت تعد العدة لطرح مشروعها على مجلس الامن الدولي لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومحددا بسقف زمني يصار بعدها الى اعتراف فرنسي بدولة فلسطينية في حالة انقضاء المدة التي يحددها المجلس دون التوصل الى اتفاق. لكن الولايات المتحدة آنذاك طالبت فرنسا بتأجيل طرح المشروع لتركيز الجهود الدولية للتوصل الى اتفاق مع ايران كان يتبلور آنذاك، واستجابت فرنسا لنداء الولايات المتحدة وأجلت تقديم مشروعها خوفا من قيام الولايات المتحدة باستخدام الفيتو ضد مشروع القرار.

اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وخلطها اوراق الصراع من جديد، واشتداد الصراعات الاقليمية في المنطقة والتي ربطها الكثير من السياسيين والمحللين بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، اضافة الى التصادم القائم بين القوتين الاقليميتين "السعودية وإيران" والذي بدون شك قد زاد من تعميق الصراعات في المنطقة، وبات الاستقرار مطلبا اقليميا ودوليا حين تتقاطع المصالح الدولية والإقليمية.

هذه المعطيات الجديدة القديمة حركت السياسيين الفرنسيين مجددا في محاولة لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل ونشطت الدبلوماسية الفرنسية لإعادة طرح المشروع الفرنسي على مجلس الامن من جديد لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن سقف زمني محدد يصار الى اعتراف فرنسي بدولة فلسطين بعد انقضاء هذه المدة والتي حددها الفرنسيون بمدة لا تتجاوز السنتين.فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، إن بلاده ستعترف بدولة فلسطين، في حال فشلت جهود بلاده لحل الدولتين.وأضاف الوزير الفرنسي أن بلاده ستبدأ جهودا خلال الفترة المقبلة، لجمع الشركاء الأمريكيين والعرب والأوروبيين، لدفع حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين.

تصريح وزير الخارجية الفرنسي لاقى ردود فعل متباينة من مختلف الاوساط السياسية الاسرائيلية.فقد عقب رئيس حزب (هناك مستقبل) يائير لابيد على اعلان فرنسا عن انها بصدد الاعتراف بدولة فلسطينية في حال فشل مفاوضات السلام، مؤكدا وجوب عدم خوض عملية التفاوض تحت التهديد. وقال:" يجب الدخول في المفاوضات بشروط والوتيرة الخاصة بنا ادراكا بضرورة عدم الوصول الى وضع تبتلع اسرائيل ثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني. وأضاف لابيد:" ان الاعلان الفرنسي وقرار الولايات المتحدة وسم منتجات المستوطنات يدلان على ما اعتبره التدهور الخطير في مكانة دولة اسرائيل العالمية".ونقلت صحيفة"يديعوت احرونوت" عن مصدر سياسي اسرائيلي قوله " ان الاعلان الفرنسي سيشكل حافزا للفلسطينيين يشجعهم على دفع المفاوضات الى طريق مسدود كمان انه لا يمكن ادارة المفاوضات بهذه الطريق ولا تحقق السلام بهذا الاسلوب ".ونقل موقع " يديعوت احرونوت" عن مسئول كبير في الادارة الامريكية قوله تعقيبا على تصريحات الوزير الفرنسي " موقفنا واضح وهو ان الفلسطينيين والإسرائيليين سيتوصلون الى انهاء الصراع بينهما وسيتوصلون الى اتفاق عبر المفاوضات الثنائية المباشرة وان الولايات المتحدة ستواصل سعيها لتحقيق حل الدولتين".

تصريحات المسئول الامريكي تبدو مبطنة بعض الشيء حيث ان مشروع حل الدولتين خرج من حسابات الاسرائيليين وان ما يزيد عن العشرون عاما من المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والاسرائيليين لم تكن كافية لتحقيق السلام ولم يبقى هناك بصيص امل للتوصل الى اي نوع من انواع الاتفاقيات. اذا على ماذا تراهن الولايات المتحدة والى متى يمكن ان تستمر المفاوضات الثنائية بين الطرفين دون جدوى.
ومن هنا يتضح ان التحدي الاكبر للمشروع الفرنسي يأتي من الولايات المتحدة لان هذا المشروع اذا لم يكن منسجما مع المواقف الامريكية فان الولايات المتحدة سوف تعمل على افشاله باستخدام الفيتو .. لكن على الفرنسيين تحديد موقفهم من هذه المسألة وهل الفيتو الامريكي سيدفع بهم للاعتراف بدولة فلسطينية؟