الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحفاظ على الوطنية الفلسطينية واجب فردي وجماعي(ج4/5)

نشر بتاريخ: 31/08/2017 ( آخر تحديث: 31/08/2017 الساعة: 09:41 )

الكاتب: سري سمور

(6)الخطر القائم على هويتنا
يجب ألا ننسى ونحن نستعرض المشهد أهم الأفكار بل الأساطير التي أسست الفكر الصهيوني وهي أن فلسطين هي (أرض بلا شعب) واليهود(شعب بلا أرض) فليحل الشعب الذي بلا أرض ويستوطن الأرض التي ليس فيها شعب!
ومع أن هذه كذبة فاقعة، ولكن الصهاينة عمدوا إلى محاولة ترسيخها، سواء باستخدام التهجير والمجازر، أو باستخدامهم سردية خاصة تصطدم بالسردية الفلسطينية؛ فالتصادم بين سرديتين متناقضتين كان وما زال وسيظل قائما، حتى حين كان هناك تقدم في عملية التسوية.
فالكيان العبري حتى الآن يستخدم عبارة (يهودا والسامرة) للإشارة إلى الضفة الغربية(الوسط الشرقي) التي يفترض أن يندحر عنها لتكون الجزء الأكبر من أرض الدولة الفلسطينية، وإذا لم يستخدموا مصطلحهم(يهودا والسامرة) فإن الكلمة المستخدمة عندهم هي(المناطق)...كما أن الكيان العبري-ويرجى التركيز على هذه الملاحظة-يستخدم مفردة(الفلسطينيون) وليس مصطلح(الشعب الفلسطيني) في كل خطاباته في وقت الهدوء أو التصعيد، وهذه ليست صدفة بل هناك دقة عالية لديهم في انتقاء مصطلحاتهم، وإذا اضطروا إلى استخدام كلمة(شعب) فهي لا تكون مضافة إلى كلمة(الفلسطيني) وبالتالي نحن أمام صراع مفتوح بين السرديتين؛ والصدام حتمي بينهما وكل ما يمكن أن يجري هو أشبه برشات من ماء قليل على كتلة نار ضخمة ملتهبة.
وقد عمد الاحتلال إلى تمزيق الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج كي يكون لدى كل مجموعة همومها الخاصة، ويتم التعامل مع كل مجموعة على حدة؛ ففي الداخل الفلسطيني فإن سكان المناطق المحتلة سنة 1948 يتم التعامل معهم وفق مصطلحين(الوسط العربي) و(الوسط الدرزي) ويفرض على الذكور من الثاني خدمة عسكرية إلزامية من 1956 لسلخه عن هويته العربية والفلسطينية، والأول مقسم وفق ترتيبات إدارية مدروسة وممنهجة، ومؤخرا هناك حالة تصعيد ضدهم من مختلف المستويات السياسية والأمنية والإعلامية الإسرائيلية.
وسكان القدس بعد بناء الجدار صار تواصلهم مع إخوانهم في الضفة الغربية صعب ومحدود، وهم يحملون هويات خاصة، وتسري عليهم قوانين مختلفة، وأما سكان الضفة الغربية فإن التعامل معهم أمني بامتياز، في كل شؤون حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بطبيعة الحال.
وتوسع الاستيطان بطريقة تجعل مناطق الضفة مقطعة الأوصال، وهناك مستوطنات هي مدن يهودية في الضفة المحتلة مثل (أريئيل) و(كريات أربع) و(معاليه أدوميم) ويخططون لوصل الأخيرة بمستوطنات القدس، هذا بالإضافة إلى جدار الفصل العنصري الذي خلق واقعا جديدا صار يعرف بــ(مناطق ما خلف الجدار) وهذه المناطق هي تجمعات سكانية من ضمنها القدس وقرى كبيرة وصغيرة وأراض زراعية، دخولها يتم بتصاريح خاصة وبأوقات محددة وعدد محدود.
وفكرة التقسيم والتمزيق كانت وما زالت حاضرة في العقل الصهيوني، فحتى لوحات تسجيل السيارات حتى عام 1994 تقريبا أي حتى قيام السلطة بعيد توقيع اتفاق إعلان المبادئ، كانت تحمل حرفا عبريا يشير إلى كل منطقة في الضفة(جنين أو نابلس أو رام الله) ولون اللوحة المعدنية أزرقا والحرف بالأصفر، وكانت لوحات تسجيل السيارات في غزة كانت تحمل اللون الأبيض.
وبعد توقيع اتفاق إعلان المبادئ(أوسلو) وانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل التجمعات السكانية، والذي بدأ بمدينة أريحا في الضفة الغربية و حوالي 60% من قطاع غزة، لم يسمح الإسرائيليون من أي حكومة كانت، بوصل الضفة الغربية بقطاع غزة، مع أن كثيرا من المقترحات جرى تداولها مثل قطار تحت الأرض، أو طريق عبارة عن جسر معلق أو غير ذلك، وكان هناك إمكانية لتمويل مثل هذه الطرق من دول مختلفة، ولكن الأمر ليس ماليا بقدر ما هو عقل شيطاني إسرائيلي، ونـقل السكان والبضائع بين الضفة وغزة ظل عبر معابر خاضعة للإسرائيليين، وبشروط أمنية تعجيزية، وفترات إغلاقها أطول من فترات فتحها، وتدريجيا لم يعد هناك طلبة من غزة يدرسون في جامعات الضفة وبالعكس، حيث أن التضييق والملاحقة والإغلاقات المستمرة جففت هذا الجانب من التواصل ومعه جوانب اجتماعية أخرى.
وفلسطينيو الشتات وهم حوالي 6 مليون فلسطيني، كل مجموعة منهم في دولة ولها وضعها المعيشي والقانوني والإداري المختلف عن المجموعات الأخرى، وكل هؤلاء تواصلهم الإنساني المباشر مع إخوتهم في فلسطين يخضع لقوانين إسرائيلية، كون إسرائيل هي المتحكمة بحركة الداخلين والخارجين، وفق تصنيفات وتقسيمات تتغير وتتبدل بناء على ذات العقل الشيطاني.
أي أن الشعب الفلسطيني الذي احتلت أرضه وشرّد الملايين من شعبه، صار إما كالغريب أو السجين فيها، أو لاجئا أو مقيما أو متجنسا خارجها، وهذا كما نعلم يجعل لكل مجموعة بل لكل فرد همومه اليومية الخاصة التي بحكم الواقع تختلف عن نظيرتها لدى تجمع فلسطيني آخر، والهدف طبعا هو إضعاف أو إبعاد التفكير بالقضية المركزية أي الاحتلال وتحرير الأرض؛ فهناك من جعلوه في حالة دفاع واستنزاف لأنه مهدد بهدم بيته بحجة البناء بدون ترخيص، وهناك من جعلوا همه عبور الحواجز اللئيمة لقضاء حاجياته، وهناك من هدفه إنقاذ نفسه وأسرته من حرب أهلية حيث يعيش، وغير ذلك من المشكلات المتولدة عن بعضها، بحيث أن المشكلة أو المعضلة التي هي أساس تلك المشكلات تكون بعيدة عن تفكير الفرد والجماعة بالتحرير...التعليق هنا أنهم فشلوا في هذا، أو على الأقل لم ينجحوا، وهذا يظهر عند كل منعطف أو أزمة حاسمة، مثلما جرى في القدس مؤخرا؛ وهذا صحيح بحمد الله وفضله، ولكن الواقع المفروض يفرض مشكلاته وهمومه على كل مجموعة فلسطينية، بل ويحدد لها ضمنا كيفية التعامل مع الأزمات المتلاحقة، وبالتالي فإن الطاقات مشتتة بحكم ما ذكرناه.
ولعل كل ما ذكر أعلاه معروف ومعلوم إضافة إلى أمور أخرى لا يتسع المجال لسردها بله شرحها وتفصيلها، وهذا يفترض أن يكون حافزا للتماسك والتعاضد؛ بيد أن الحركة الوطنية الفلسطينية بجناحيها الأكبرين(فتح وحماس) قد انشطرت أو انقسمت، وصارت مسألة الانقسام بنتائجها وظواهرها المختلفة طاغية وتستنزف طاقة مستنزفة أصلا...

يتبع.