الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

نعم الرئيس جزء من المشكلة وليس من الحل...

نشر بتاريخ: 22/02/2018 ( آخر تحديث: 22/02/2018 الساعة: 18:57 )

الكاتب: خالد السباتين

ما إن انتهى خطاب الرئيس عباس في مجلس الأمن حتى انهالت عليه الإتهامات من كل صوب وأطلقت اسرائيل كلابها المسعورة التي لا تنطق خيراً اطلاقاً، انطلاقاً من دنون الذي اتهم الرئيس عباس بأنه هو المشكلة بحد ذاتها، نعم صحيح هو المشكلة الذي ما زال يطالب بحل الدولتين، نعم هو المشكلة الذي يؤمن بنشر ثقافة السلام ونبذ العنف والتطرف، نعم هو المشكلة لأنه قال بثمن دبابة نبني مدرسة ليتعلم جيل بأكمله، نعم هو المشكلة لأنه قال بثمن طائرة نبني مستشفى تعالج جيل بأكمله، نعم هو المشكلة لأنه يريد أن تعيش الدولتان جنباً الى جنب بأمن وسلام، نعم هو المشكلة لأنه يريد أن يوقف شلال الدم الذي لم يتوقف، نعم هو المشكلة لأنه يقبل بالمفاوضات دون شروط مسبوقة ولم يرفضها بتاتاً، نعم هو المشكلة لأنه يسعى الى حل عادل وشامل وفق قوانين الشرعية الدولية، نعم هو المشكلة لأنه آخر الأصوات التي ستسمعونا تطالب بالسلام في فلسطين.
الرئيس الذي يفهم جيداً قواعد اللعبة المحفوفة بالمخاطر التي ساهم في تأسيسها ابتداء من أوسلو التي انهتها اسرائيل من جانبها وصولاً الى الطريق المسدود الذي آلت اليه عملية السلام، فمن لاحظ وقرأ لغة خطاب الرئيس ووجهه المليء بالإحباط واليأس وفقدان الأمل لكنه بالرغم من كل ذلك ما زال متمسك بشعرة معاوية ولا يريد ان يقطعها ويدرك تماماً حجم المأزق الذي نحن فيه، الرئيس عباس لن يقدم على خطوة حتى اللحظة لقلب الطاولة او تغيير النهج الذي يسير عليه منذ سنين مع أنه قادر على ذلك لكن لعدم وجود غطاء عربي قوي صلب وداعم لأي قرار من شأنه يجعله والشعب الفلسطيني يقف وحيداً في وجه العاصفة وهذا ما يحدث الان، فأميركا غير معتادة على قول "لا" في وجهها من أحد، فقد طالب الرئيس برعاية دولية لعملية السلام وحماية دولية للشعب الفلسطيني ووضع جدول زمني لانهاء الاحتلال وعدم ترك الامور تسير للحظ.
لقد اعتدنا على خطابات الرئيس شديدة اللهجة والتي يعلو صوته فيها تارة وينخفض تارة أخرى، لكن مخزون الصبر بدأ ينفذ عنده وعند الشعب الذي ما عاد يحتمل المزيد من الذل والحصار والقهر والقتل، فأنا باعتقادي ان بعد الرئيس عباس لن يسمعوا صوتاً يطالب بالسلام بل ستمحى هذه الكلمة من قواميس الفلسطينيين ولن يكون هناك جيل يؤمن بفكرة وجود اسرائيل وبقائها بما أن الصراع أصبح من حدود الى وجود.
أما بالنسبة لكبيرهم الذي علمهم السّحر نتنياهو فقد نطق معلقاً أن الرئيس عباس يتهرب من عملية السلام لكن هل تساءل نتنياهو عن أي سلام يتحدث؟؟ عن سلام تكون في ابو ديس عاصمة لدولة فلسطين ؟؟ أم عن سلام تكون فيه السلطة بلا سلطة والدولة دون سيادة ؟؟ أم عن سلام على الورق بينما الأرض وما عليها تحت قبضة اسرائيل ؟؟ أم عن سلام تكون فيه الضفة وغزة تحت رحمة المنسق بولي مردخاي ؟؟
نعم لم يعد بإمكان العالم الصمت عن هذه الجرائم ولم يعد بإمكان اسرائيل اخفاء الحقائق فمن يريد معرفة الحقيقة لن يصعب عليه البحث عنها بل فقط عليه ان يزور حي من احياء الخليل او شارع من شوارع غزة او مخيم من مخيمات اللاجئين ليدرك حجم الكارثة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
أما بالنسبة للولايات المتحدة التي عقدت أمرها على المضي قدماً في نقل سفارتها وعدم التراجع عن اعترافها بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل، فهي لا ترى في الاستيطان أي عقبة ولا ترى بالطائرات التي تقصف الجانب الفلسطيني أي تهديد لحياة المواطنين، ولا ترى التنكيل بالاسرى وتعذيبهم أمراً مرفوض وفق حقوق الانسان، ولكنها ترى في طفلة تخرج في مسيرة سلمية على أنها تهدد أمن اسرائيل أو شاب يرمي حجراً على مدرعة كأنه استخدم سلاح محرم دولياً لذلك لا أدري ما هو الحل وما هو السبيل للخلاص من الفيتو الذي نصطدم وسنصطدم به في كل مرة فهذا مجلس الأمن في نظري يحتاج الى حماية.
وأخيرا وليس اخرا بالنسبة الى الأشقاء العرب ودورهم الذي لا يكاد يظهر وصوتهم الذي لا يكاد يسمع يجب ان نطرح هذا السؤال عليهم فيما اذا اصبحت القضية الفلسطينية عبئاً عليهم أم أصبحوا هم عبئاً على القضية الفلسطينية ؟؟
ربع موقف لا يصلح ونصف موقف لا يصلح بل نحتاج الى موقف كامل يخلو من الغموض، فقد حان الوقت لنزع غطاء الألوهية عن رب البيت الأبيض وقد حان الوقت لانهاء خلافاتنا العربية فقد صدقت هذه المرّة الكاذبة نيكي هيلي بأن مجالس الأمن لا تجتمع الا للنظر في قضايا العرب ومحاكم الجنايات لا تعقد الا للبت في خلافات العرب، وعلينا ان نتوقف عن الطواف حول البيت الابيض والسعي بين موسكو وباريس لإيجاد الحلول فقد أصبحت واشنطن هي قبلتنا الأولى فنحن أمة مصرّة على أن تطلق الرصاص على قدميها وتعيق مسيرتها نحو التقدم فإذا بقي الشعب الفلسطيني يعيش حياته كسجين ويمنح قوت يومه فقط وبقيت الأمور الى ما هي عليه سيكون السيناريو القادم مليء بالغموض والمفاجأت ولن تستطيع نيكي هيلي وطفلها المدلل كوشنير حينها كبح جماح بركان الغضب الذي سوف ينفجر في أي لحظة دون سابقة انذار والذي قد تصل شظاياه الى كل العالم.
يا سيادة الرئيس انت تمد يدك للسلام منذ عقود وما زلت تنتظر من يمد يده من الطرف المقابل لكن اسرائيل تمد لك السلاح والعنف، اسرائيل لا تريد سلام بل تريد استسلام للشعب الفلسطيني، اسرائيل لا تعرف معنى السلام ولا تؤمن به وتقتل كل من يفكر بأن يقدم عليه من جانبها، فهم لا يعرفون سوى الاستيطان وفرض الحصار وقتل المدنيين وقلب الحقائق، فهذه حكومة لديها من الحقد والكراهية والعنصرية ما يكفيها من المخزون لتصدره على العالم بأسره.