الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

رد على غرينبلات: هل تملك "اسرائيل" الشجاعة للاعتراف بالفشل

نشر بتاريخ: 11/03/2018 ( آخر تحديث: 11/03/2018 الساعة: 10:21 )

الكاتب: عماد عفانه

على مدار سنين النكبة حظيت القضية الفلسطينية بكثير من القوى والفصائل التي انبرت لترفض كل مخططات التصفية التي تلفعت بالمظاهر البراقة وسميت بأسماء تدغدغ المشاعر مثل "خطط السلام"، وعلى مدار عشرات السنين طرحت القوى الكبرى العشرات من خطط السلام التي نفذت "اسرائيل" تحت غطائها عمليات الطرد والتهويد والقتل والاعتقال والعدوان، وكان آخرها ما تسمى بخطة السلام الامريكية أو ما بات يعرف "بصفقة القرن" والتي ستعمل على محو القضية الفلسطينية من الوجود، والتي رفضتها كل القوى والفصائل بما فيهم السلطة وحماس على حد سواء.
ومنذ أن حكمت حماس غزة قبل عقد من الزمان، تكالبت كل قوى الشر في العالم من أجل إيصال الوضع الإنساني فيها إلى حالة كبيرة من التدهور دون ان تفعل الدول العربية المشاركة شيء بذلك الخصوص اللهم إلا في إطار الابتزاز وفرض الاملاءات.
وقد مكثت قيادة حماس مؤخرا أيام طويلة في القاهرة وحصلت على تعهد مصري برفض صفقة القرن وتأكيد أن سيناء لمصر وللمصريين، ولن تكون دولة بديلة لا للفلسطينيين ولا لغيرهم.
رغم ذلك ينبري العراب الصهيوني جيسون غرينبلات مساعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والممثل الخاص للمفاوضات الدولية ليزعم أن هناك اجتماعا في القاهرة يوم الخميس وستعقد جلسة عصف ذهني في البيت الأبيض الأسبوع المقبل لإيجاد حلول حقيقية للمشاكل التي تسببت بها حماس.
وقد أدى تزايد حدة الحصار والعقوبات التي تفرضها سلطة الرئيس عباس إلى حدوث شلل في غزة.
ومن المفارقات أن استسلام غزة وانهيارها بسبب عقوبات سلطة الرئيس يصب في صالح صفقة القرن التي تزعم سلطة الرئيس عباس أنها ترفضها بشدة.
وللأسف الشديد، يبدو أن الكثيرين في إدارة ترامب يعتقدون أنه يمكن التخلص من حكم حماس عبر زيادة معاناة الشعب الفلسطيني، إلا أن هؤلاء لم يعتبروا من فشل الماضي، إلا أن ذلك لن يعفيهم من المسؤولية أمام الله والتاريخ، فبدلا من العمل على إيجاد طريق لمستقبل أكثر إشراقاً لفلسطينيي غزة، فانهم يخطون طريقا أكثر قتامة أمام مستقبل "اسرائيل" التي تحولت في الأيام الأخيرة إلى قاعدة عسكرية كبيرة تقوم بمناورات على مدار الساعة، ما يوحي بعمق الخوف الذي يشعر به كيان العدو وحلفائهم في المنطقة.
ان الولايات المتحدة و"اسرائيل" نهبت الثروات الهائلة وانفقتها على الأسلحة لترويع الفلسطينيين والمستضعفين في الأرض، بدلاً من إنفاقها على رفاهية وأمان وسلامة الإنسان.
لقد فرضت "إسرائيل" وليس حماس، الحصار والقيود المتزايدة على غزة من خلال منع شحنات المساعدات الإنسانية بحجة أنها قد تضم مواد قد تصلح لصنع الأسلحة.
سيبقى الفلسطينيون في غزة وفي غيرها من فلسطين المحتلة كما في مختلف بقاع الأرض يجاهرون برفض السياسات والمبادرات الدولية الفاشلة بفرض الاملاءات والابتزاز تحت يافطات مضللة كخطط السلام والصفقات المشبوهة، وسيستمرون في السعي نحو إقامة حكومة شرعية تحمي السلاح وتحميها المقاومة، تستثمر كل قرارات الشرعية الدولية بحكمة دون التنازل عن حقها في المقاومة.
بالطبع سوف يأخذ ذلك المزيد الوقت -وربما الكثير من الوقت - ولكن ينبغي علينا ألا نتنازل عن هذه المهمة اليوم، كي لا يسجل التاريخ أن هذا الجيل أثرت فيه العقوبات والحصار وخضع لابتزاز إدارة ترامب والأنظمة العربية الفاسدة.
إنها مهمة بالغة الأهمية لجميع أجيال العرب والمسلمين وليس الفلسطينيين فقط، لأن فلسطين وقف على أجيال الأمة.
إن الكارثة الإنسانية الناجمة عن استغلال سلطة الرئيس و"اسرائيل" لفلسطينيي غزة تتطلب أن نركز فوراً على امور أساسية مثل رفع منسوب الوعي لدى الأجيال الصاعدة التي يشن الأعداء حرب تشويه على ذاكرتها الجمعية.
ويجب الذكر هنا بأن غزة ليست خالية من الثروات، فلديها فرص كبيرة لبناء أجيال واعية مزدهرة تكون قدوة وقائدة لأجيال الأمة المغيبة، ووضع برنامج أكثر جرأة وتقدمية يحقق العدالة الاجتماعية، والعمل على تطوير اقتصاد قابل للحياة في غزة يقضي على الفساد والبيروقراطية والقوالب التي خلقت فجوات بين طبقة القادة وبين الشعب.
من قال إن الأقدار كتبت على غزة أن تكون وكيلا أمنيا لأحد، لا للاحتلال ولا لغيره، فغزة كبقية مدن وقلاع فلسطين لديها مهمة مقدسة مقدمة على كل المهام وهي مهمة إحراز الحرية والتحرير لشعبنا ولأرضنا وبالطبع يجب أن نأخذ بعين الاعتبار مخاوف مصر الأمنية مع بقاءنا شوكة في خاصرة الاحتلال.
قد لا يدرك ترامب أن تحسين حياة الفلسطينيين في غزة وبناء اقتصاد مزدهر ومستدام لا يمكن أن ينسيهم وطنهم المحتل أو قدسهم المستباحة.
تحقيق السلام في فلسطين لا يخدم فقط مصالح الفلسطينيين وبل يخدم مصالح الولايات المتحدة أيضا، والسلام لا يتحقق على هذه الأرض إلا بزوال الاحتلال، ولن تتحقق مصالح الولايات المتحدة إلا بزوال "اسرائيل".
ومن يحاول بناء غزة، يجب أن يتذكر فشل "اسرائيل" المطلق في القضاء على المقاومة، أو محو القدس من ذاكرة الوطن، وما نجحت فيه "اسرائيل" فقط هو أنها أوصلت غزة إلى حافة الانهيار، ما استلزم تداعي المجتمع الدولي لمنع انفجارها في وجه "اسرائيل".
فاللاعبون السيئون مثل مشروع "اسرائيل" لابتلاع فلسطين يثيرون الغضب ويشجعون على العنف في الخارج ولا سيما من خلال تمويل المنظمات الإرهابية صنيعة الدوائر المخابراتية، ومضاعفة مخزوناتها من الأسلحة، بدلاً من تركيز جهودهم على إعادة الحقوق إلى أصحابها.
يجب عدم السماح "لإسرائيل" بالمشاركة في أي مشروع سلام قبل أن تلتزم بالقرارات الأممية، بما في ذلك الالتزام الصريح بإعادة اللاجئين إلى الأراضي التي هجروا منها، والاعتراف بدولة فلسطين حسب قرار التقسيم، وكذلك القبول بالاتفاقيات والالتزامات الموقعة، ونزع سلاحها النووي.
وايضا يجب عليها معالجة قضية إنسانية أخرى الا وهي تعويض ملايين اللاجئين وأجيالهم الذين تضرروا بشدة منذ النكبة حتى يومنا هذا.
يوجد هناك طريق للخروج من مأزق غزة إذا ما كانت "اسرائيل" تملك الشجاعة للاعتراف بالفشل وأخذ مسارا جديدا.
وكما يدرك معظم الناس، فإن جزءا أساسيا من التوصل إلى اتفاق سلام شامل، في غزة والضفة الغربية، يكون من خلال إعادة الحقوق إلى أصحابها.
أجزم أن أي قائد فلسطيني على استعداد للعمل مع أي طرف يريد حقًا الوصول لهدف تحقيق السلام، وبلا شك فان معالجة الوضع في غزة لا يمثل سوى خطوة صغيرة ولكنها مهمة نحو حل المشكلة الرئيسية المتمثلة بالاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية.