الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

الرئيس أبو مازن الأمل الأخير للعروبة

نشر بتاريخ: 11/03/2018 ( آخر تحديث: 11/03/2018 الساعة: 18:50 )

الكاتب: د. سعيد عياد

كثيرون على مر السنين ظلموا الرئيس أبو مازن، ومنهم زعماء عرب أتقنوا التخفي وراء قناع المزايدة وارتداء فلسطين وقضيتها قميصا مبهجا لإخفاء سوادهم الذين ضاق به أخيرا التستر فانفجر ليعريهم ويفضح تأمرهم على القضية التي ظلت حصان طروادة يمتطوه لقمع شعوبهم وسرقتهم.
وصفوا أبو مازن بالزعيم الناعم الذي يسعى لمواجهة الاحتلال الخشن المفترس بثوب حمل، لاموه وحاسبوه وقسوا عليه وقاطعوه أحيانا، لاحقوه في وسائل الإعلام بأقلام مأجورة ، فوصفوه بالمفرط والمتنازل والمتهاون بل تعنتروا وعنترة منهم براء في مؤتمرات القمة وكأن الرجل ضيّع شرف الأمة.
تحمّل أبو مازن، لم ييأس، لم يستكن، ظل ثابتا على فكرته، ظل هادئا يحبس في داخله الألم ويضمد جراح الطعنات في الظلام، هو يؤمن بفكرة ويناضل من أجل تحرير وطن ضيّعته حروب عربية لم يكن للفلسطينيين دور فيها أو لنقل دور في صناعة قرارها.
لم يحاسب أبو مازن العرب على تفريطهم بفلسطين، حتى أحسبه أنه لم يلمهم، ليس عجزا، لكنه يؤمن متى كان اللوم يعيد وطنا محتلا. هو يدرك أن لا خيار أمامه سوى أن يخوض حرب التحرير بوعي الزعيم المبصر في الظلام وليس بوعي الزعيم المغمض عينيه في وضوح النهار كما فعل زعماء ببلادهم وشعوبهم فتفككت أو احتلت.
ساير العرب، وهو يعرف أنهم سيخذلونه ويعي أنهم سيتخلون عنه عند معركة الحسم الحقيقية، لكنه لم يفقد الأمل ولو بصيص أمل، فالعروبي الأصيل لا يهن عليه من تربطه بهم وشائج العروبة والتاريخ والدم، لقد قبِل أن يكون الجدار الأخير حتى لا تسقط العروبة، فظل وحده في الميدان يجوب العالم من أجل عروبة العرب، وهل ثمة أعظم من فلسطين عنوانا وتاريخا ومستقبلا حرا للعرب ؟
سنوات عجاف طويلة من الظلم والجهد والنضال تركت أثارها فيه، ومع ذلك ظل للاحتلال الرجل الأكثر لغزا وسيبقى، وظفوا علماء في السياسة وفي الدبلوماسية وعلم النفس ليعرفوا كيف يفكر هذا الزعيم، لكنهم فشلوا، فالرجل مثل العنقاء الذي ينهض من حصاره أقوى، الرجل الذي عرّى بجرأة الرواية الاحتلالية المزيفة، بل قال علنا في واقع تلك الرواية ذاك الذي يرتعب منه العالم جبنا وخوفا.
أبو مازن لم يبحث يوما عن مجد شخصي ولا أظن أن لديه أحلاما شخصيه، هو يبحث عن مجد لشعبه وأمته، هو واحد من هذا الشعب يتحمل مسؤولية قيادته بعد أن إتمنه على وجوده وتاريخه ومستقبله، فحمل الأمانة بجدارة. والزعماء يختبرون في لحظة معركة الوجود. وحين كانت اللحظة، إما أن نكون أو لا نكون، بجرأة وشجاعة تصدى لأعتى قوة في التاريخ البشري وقال للولايات المتحدة، لا، وهو ثاني اثنين وحدهما قالا ، لا ، فقبله كان ياسر عرفات رفيق دربه وأمين سره. استجاب أبو مازن للقدس، واستجاب لوجود شعبه وانحاز لشرف أمته.
صفع صاحب الصفقة الذي يرتعب أمامه أكثر المتعنترين عنجهية، وصفع كل الأحلام المزيفة للاحتلال وأربك كل المتخاذلين الذين زايدوا عليه باسم عروبة فلسطين. صمد أبو مازن فصمدت فلسطين التي ستبقى وحدها سيدة الأرض لأنها كما قال درويش أم البدايات وأم النهايات.
أبو مازن آخر الزعماء العرب الأحرار، سيدخل بصموده التاريخ من أشرف أبوابه وأوسعها كما دخله ياسر عرفات، وأحمد بن بلا وهواري بومدين وجمال عبد الناصر ومحمد الخامس، ومن قبلهم صلاح الدين الأيوبي وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن عامر الجراح .