الإثنين: 29/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السياق السياسي والفكري لصفقة القرن

نشر بتاريخ: 29/07/2018 ( آخر تحديث: 29/07/2018 الساعة: 19:41 )

الكاتب: د.ناجي صادق شراب

النزاعات الدولية والأفكار والبرامج والحلول السياسيه لا تأتي من فراغ، بل يحكمها البنية الفكرية والسياسية التي تحكم من يقف وراءها، ففي هذا السياق تفهم المبادرات والحلول التي تطرح. وصفقة القرن التي تتبناها إدارة الرئيس ترامب تقف وراءها بنية فكرية وأيدولوجية، وبنية سياسية تتعلق ببنية النظام السياسي وصنع القرار الأمريكي. وهذه المبادره وألأفكار التي تتضمنها تعكس في مجملها البنية الفكرية والسياسية السائدة في الولايات المتحدة، ومن السياق الأمني والمصالح العليا للإستراتيجية الأمريكية، ولكيفية فهم صانعي هذه المبادرة وعلى رأسهم الرئيس ترامب، وفريق عمله نائبه بينس، وصهره كوشنر وممثله الشخصي غرينبلات وسفيره في إسرائيل فريدمان، هؤلاء الخمسة الرئيسيون كيف يفكرون؟ ما العقيده التي يؤمنون بها؟ كيف ينظرون للإسرائيليين، وكيف ينظرون للفلسطينيين؟ في هذا السياق يمكن أن تفهم هذه الصفقة. ويمكن التنبؤ إلى أين تسير.
ولا يمكن فهم هذه الصفقة التي يتم التسويق لها سياسيا وأيدولوجيا وأمنيا إلا في سياق المحددات التي تحكم العلاقات ألأمريكية والإسرائيلية من ناحية، ومن ناحية المنطلق الرئيس لها المحددات السياسية والفكرية التي تحكم صانع القرار السياسي الامريكي، والتي تتحكم في صياغة الرأي العام الامريكي. وفي يقيني ان الفرضية الأساسية التي تنطلق منها هذه الصفقة رغبة الرئيس ترامب في الفوز بالإنتخابات الرئاسية ثانية، هذا الهدف تتحكم فيه الأصوات التي تحسم هذه الرئاسه، واللوبيات الضاغطة التي تتحكم في آليات صنع القرار، وكما هو معلوم في أدبيات السياسة ألأمريكية أن النظام السياسي نظام مفتوح اي تلعب فيه المؤثرات الداخلية دورا حاسما، والناخب الأمريكي اليوم تحكمه الإعتبارات والقضايا الداخلية، وبروز ما يعرف اليوم بالشعبوية والإنعزالية الأمريكية، ويلعب الدين دورا هاما فلا تحديد صوت الناخب الأمريكي...
وفي هذا السياق إسرائيل قضية داخلية في الانتخابات الامريكية من خلال اللوبي الصهيوني المتحكم في المال والصوت، ومن خلال القوة التصويتية الكبيرة التي تمثلها الأصولية المسيحية أكثر من خمسين مليونا، والسياق او ألإطار الأول الذي يتحكم في بلورة وصياغة الصفقه الأصولية المسيحية التي ينتمي ويؤمن بها الخمسة الذين يصوغون المبادرة، هم يستمعون لما يقوله الاخرون ويترجمون ذلك حسبما يعتقدون.. أنصار هذا التيار يزيد عددهم عن خمسين مليونا، يؤمنون ان عودة المسيح المنتظرة الثانية وتأسيسه لمملكة الألف الثانية مرتبطة بعودة اليهود لفلسطين، ويدعمون بقاء إسرائيل والحفاظ على امنها، ولا يؤمنون بقيام الدولة الفلسطينية، ونظرتهم للفلسطينيين ليس كشعب بقدر ما هي كتلة بشرية لها بعض الحقوق وأن مسؤولية فشل المفاوضات تقع على الفلسطينيين والقاده العرب، ولتحقيق السلام من منظورهم لا بد من تحقيق نصر حاسم على الفلسطينيين والعرب. 
هذه الأفكار والمعتقدات تندرج أولا في عدم الإعلان الصريح بقبول حل الدولتين ,بعدم عودة اللاجئين حفاظا على يهودية الدولة، ويحملون الفلسطينيين أيضا المسؤولية لعدم إعترافهم بيهودية إسرائيل وبحق الشعب اليهودي في فلسطين. هذه المعتقدات ستترجم وتضمنها صفقة القرن بصيغ وأفكار سياسية. ومع كل إدارة أمريكية جديدة يسعى أصحاب هذا التيار لفرض رؤاهم على كل رئيس يأتي للبيت البيض، راينا ذلك في بوش الابن مثلا. ويحاول ترجمة هذه المعتقدات في كل مبادره تقدمها الإدارة الجديدة، بل إن إحتكار الولايات المتحدة لعملية السلام والمفاوضات يأتي في هذا السياق الايديولوجي الديني. ما يميز صفقة القرن ألآن انها جاءت في ظل بيئة سياسية أمريكية قوية وداعمة لكل أفكارها، وفي ظل بيئة إقليمية مهيئة وقابلة للتسوية، وبيئة سياسية إسرائيلية متقابلة معها تماما. 
أما السياق ألاخر الذي من خلاله يتم بلورة هذه الصفقة السياق السياسي من ناحية العلاقات الإستراتيجية التحالفية التي تحكم علاقة الولايات المتحده بإسرائيل، ومن ناحية تركيبة وبنية النظام او السلطة السياسية في كل منهما. اليوم الذي يحكم الولايات المتحدة سياسيون يؤمنون بالفكر الديني المسيحي ألأصولي وعلى رأسهم نائب الرئيس ألأمريكي مايك بينس، وتهيمن على الولايات المتحدة ثالوث السياسة: العسكري الصناعي والمسيحية ألأصولية واللوبي الصهيوني.
وبالمقابل في إسرائيل حكومة يمينية متشددة تشارك فيها بقوة ألأحزاب الدينية مثل شاس ويهودت هتوراه ويسرائيل بيتينو، وكولانو والبيت اليهودي. تطابق بين الحكومتين والسلطتين، هذا التطابق يعبر عن نفسه في العديد من القضايا وفي آليات التسوية من الدولة الفلسطينية واللاجئين والمستوطنات. وحتى القضايا الإقليمية كما في سوريا والنووي الإيراني وفي الموقف من المنظمات الدولية التي تساند الشرعية الدولية كالإنسحاب من اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان والتهديد بوقف المساعدات عن الاونروا، وحتى الدول التي تؤيد الدولة الفلسطينيه وأخيرا في صدور قانون من الكونجرس يمنع سياسية مقاطعة إسرائيل وأي منتوجات إسرائيلية، ويعتبرون ذلك إنتهاكا للدستور الأمريكي. والتوافق على الحل الإنساني لغزة على إعتبار انها الكينونة السياسية الفلسطينية المستقله، وعدم القبول بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وتجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها في غزه مقابل هذا البرنامج الإنساني ورفع الحصار والعمل على تفريغ الضفة الغربية من سكانها وخصوصا في المنطقة ج، بالهجرة القسرية، وبتشجيع الهجرة من الريف للمدن، ولتحقيق أهدافها تقوم إسرائيل وبعد أمريكا بممارسة الحرب والحصار على غزه، واليوم تلوح الصفقة او تقوم على ركن أساسي ما يعرف بالسلام الإقتصادي. 
هذا الإطار السياسي والأيدولوجي تكمله المصالح الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة في المنطقة وتقليص لدور الدول الإقليمية الصاعدة كإيران وتركيا، بتمرير هذه الصفقة، والعمل على خلق منظومة أمنية إقليمية، وهذا أحد اهم نقاط الصفقة. في هذه السياقات تفهم الصفقة، ويفهم إلى إين تسير؟ إحتمالات النجاح والفشل؟