الأحد: 12/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

الماراثون..

نشر بتاريخ: 30/09/2018 ( آخر تحديث: 30/09/2018 الساعة: 18:23 )

الكاتب: رامي مهداوي

متوجه صباح يوم الجمعة من رام الله الى قريتي شويكة قضاء طولكرم، باب مدخل قرية ترمسعيا شرطة إسرائيلية معززة بقوات عسكرية تغلق الطريق، يُشير الشرطي بإصبعه بشكل دائري وبصوت صارخ "لف وإرجع.. طريق مسكره... في ماراثون". أصبح المستوطن يمارس الرياضة بأريحية مطلقة وعلينا أن نتحمل أعباء سعادته واستمتاعه بالطبيعة!!
في انتفاضة 87 كان المستوطنين بشكل خاص والإسرائيليين بشكل عام يرتعدون رعباً وخوفاً عند سيرهم بطرقاتنا، وفي عام 2018 أصبحنا نحن من يخشى السير على طرقاتنا بين المدن والقرى الفلسطينية، وللأسف المشهد مؤلم أكثر بكثير حتى وصلنا لمرحلة بأن قطعان المستوطنين يهجمون على القرى والمدن كالذئاب بحماية جيش الإحتلال الإسرائيلي.
أكثر من نصف مليون مستوطن مُسلح متواجد على أرضنا، يمارسون حياتهم الطبيعية بشكل إعتيادي مستمتعين بمياه وتراب وجبال وسهول وأشجار بلدنا، يتكاثرون بطريقة سريعة كالخنازير وكأن هدفهم بالحياة هو التكاثر، لدرجة أصبحت أشك في الأمر بأنه ربما في كل مستوطنة "مفرخة/فقاسة" للمستوطنين المتدينين!!
من لا يخرج من حيز المدينة التي يتواجد بها لن يفهم ما أقول، حيث أن المشهد الجغرافي إذا ما تم النظر له من خلال عين الزمن سنجد بأن ما تبقى لنا كشعب فلسطيني هو الحيز المكاني الذي نسكن به فقط أي أصغر من مفهوم "الغيتو"، منذ أكثر من 20 عام وأنا أتنقل بشكل خاص بين مدينتي رام الله وطولكرم وبين محافظات الوطن بشكل عام وأشاهد كيف يتشكل المشهد بالكامل لصالح دولة المستوطنين.
أخشى ما اخشاه خلال عقد من الزمن؛ سنصبح الأقلية العربية في دولة المستوطنات المقامة بالضفة الغربية، وسيطبق علينا قانون القومية اليهودية كما هو الحال في داخل الكيان إسرائيل، فيصبح أهل الأرض عبارة عن مجرد سكان لا ينطبق عليهم حتى مسمى مواطن ولو درجة ثانية، كأننا عبيد في مزارعهم لهم المتعة ولنا السمع والطاعة!!
بالتأكيد أصحاب الأرض سيجدون طرقهم الخاصة للوصول الى المنطقة التي يريدونها، لهذا قررت دخول بلدة ترسمعيا ومنها الى بلدة المغير لأصل الجنوب الشرقي من محافظة نابلس، المستعمرات في كل مكان حتى القرى الفلسطينية عقربا، عورتا، بيت فوريك محاطة من جميع الإتجاهت بالمستعمرات "جيتيت" "محورا" "معاليه افرايم" "ايتمار" أصبحنا أقلية على الطرقات، أقول لذاتي أصبحنا غرباء مع هذا التشكُل الإستعماري الذي يخدم توجه المخططات الصهيونية.
وصلت أخيراً قريتي بعد هذا الجهد وضياع الوقت وإهدار للبنزين، ومنظر الشرطي الذي منعني من إكمال طريقي بسبب ماراثون المستوطنين في مخيلتي، أشرب فنجان القهوة وأبدأ كتابة مقالي هذا وأنا مشغول الفكر متى سينتهى الماراثون حتى أتمكن من العودة الى رام الله!!