الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

لو قلنا " من لا يعمل لا يأكل " لمات معظم المثقفين جوعا

نشر بتاريخ: 22/08/2019 ( آخر تحديث: 22/08/2019 الساعة: 14:51 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

تتماهى المجتمعات البشرية في الإحتياجات ، وفي الهرم الاجتماعي ، وفي النمط السلوكي ، حتى لا تكاد تختلف عن بعضها في شكل إدارة حياتها وطرائق معالجتها للمشكلات سوى في تنظيم سلم الاحتياجات والأولويات .
حين تنهض الأمم ، وحين تلحق الشعوب بركب الحضارة والمدنية . تعمل جاهدة على زيادة الإنتاج وتخفيض الاستهلاك . وحين تفعل العكس تتحطم وتنهار وتخبو ولو كان لها بحار من النفط وجبال من الذهب .
الرئيس الروسي الفج ستالين ، ورغم غلاظته . الا أنه مارس نظرية ( المكنسة الحديدية ) لتنظيف الحزب الشيوعي الروسي من الكسالى والمستهلكين ، وكان يرسل المتفذلكين والمعارضين الى سيبيريا ليعمروا القطب الشمالي . وانا لست معجبا بسيرته الذاتية ولكنني اّتي على ذكر تجارب من التاريخ لاستلهام العبرة التي تقود الى البناء . فالانتاج يحتاج الى عمل وعمال وليس الى متفذلكين يرسمون نظريات ولا ينجحون في تطبيقها على أنفسهم أو على بيوتهم . وحين قالوا لستالين لماذا تقوم بالتنكيل بالمثقفين الروس ؟ أجاب : إن النظرية من دون تطبيق لا تساوي روث البقر . ولا تعدو عن كونها ملهاة تشتت تركيز الطبقة العاملة وتوقف الانتاج .
في الحياة نصادف رجال مقال، ونصادف رجال مقام .. والوطن في هذه اللحظات الصعبة إقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لا يحتاج الى رجال مقال ، بل يحتاج الى رجال مقام .. يستطيعون تنفيذ المهمة .
المهمة الأولى التي تمنع تفكك المجتمعات هي الإنتاج . الإنتاج الفكري والإنتاج العملي والإنتاج الفني والإنتاج السياسي والإنتاج الزراعي والإنتاج الهندسي ، وإنتاج الكهرباء والطاقة ..
وقد إمتلأ المجتمع الفلسطيني بالتجار ووكلاء البضائع المستوردة ، وهذا لا يصنع وطنا . بل يصنع من الوطن سوقا لبضائع الاخرين .
ولأن الناس على دين ملوكهم وتنظيماتهم . لا نزال ننتظر خطط وسياسات عامة تعطي الفرصة للمنتجين أن يتقدموا الى الصفوف الاولى ، وتطلب من المستهلكين أن يتراجعوا الى الصفوف الأخيرة .
طالما أن المستهلكين والتجار في الصفوف الأولى ، طالما ان المجتمع يعاني ويمرض .
وقد إختلف علماء الاجتماع من ( أقصى ) اليمين الى ( أقسى ) اليسار على ميزان الحكم الرشيد، ومنهم الفيلسوف الألماني نيتشة الذي طالب بالتخلص من المعاقين والشرائح الضعيفة التي لا تستطيع أن تقاتل ولا عمل لها سوى الاستهلاك وعرقلة التقدّم . واعتبره اخرون أنه صاحب فكر فاشي ومجرم لأن من حق الضعفاء ان يعيشوا . وهناك من قال : إن الناس جميعا متساوون في الواجبات والحقوق . ولكن علماء الرأسمالية اعترضوا على ذلك وقالوا أنه من المستحيل أن تختفي الفروق بين البشر ، ولا يمكن للمجتمع أن يعامل العلماء والمنتجين كما يعامل المتسولين والرعاع والبكّائين .
وقالوا : من يزرع ياكل . ثم قالوا  : من لا يزرع لا يأكل .
وقالوا : من يعمل يأكل . ثم قالوا : من لا يعمل لا يأكل .
وحتى نخرج من عين العاصفة . أرى أن التوازن هو سيّد الموقف. وان المجتمع المنتج هو المجتمع القوي وهو القادر على حماية الضعفاء . أما المجتمعات المستهلكة فهي ضعيفة وغير قادرة على حماية الضعفاء ولو أقسمت كل يوم خمس مرات على أنها قادرة على ذلك .
في الحكومة اولا ، في الدولة ، في المدرسة ، في الجامعة ، في البلدية ، في العائلة وفي المكتب .. يجب أن يكون مقياس النجاح والفشل هو القدرة على الانتاج، وقد وفّرت التكنولوجيا الحديثة القدرة للجميع على الانتاج اللائق .
ولا يمكن ان ننتصر سياسيا ونحن نتسوّل ثمن البيان الذي نرشق به عدونا !!!
كل إسبوع ألتقي مع المئات من المدراء والمسؤولين والمواطنين وجميعهم يسألون ( ماذا قدّم لنا المجتمع ؟ وانا أسألهم في كل مرة ماذا قدّمتم أنتم للبشرية وللمجتمع سوى أنكم أمضيتم اعماركم تطلبون وتطلبون دون توقف . تطلبون منحة دراسية ثم تطلبون واسطة للوظيفة ثم تطلبون قرضا لبناء المنزل ثم واسطة للبحث عن عروس ثم واسطة لقبول اولادكم في مدارس خاصة ثم واسطة لتحصلوا على علاوة ثم لتحصلوا على رتبة !!!! وربما تبحثون عن واسطة لدخول المقبرة !!!) . ماذا قدمـتم أنتم للبشرية وللانسانية وللوطن سوى انكم تطلبون وتطلبون بلا توقف !
بالمناسبة : المدير وصاحب المنصب هو كائن طفيلي لا يعمل وإنما يراقب عمل الاخرين وغالبا يعرقل إنتاجهم .