الثلاثاء: 23/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

السيميائية .......

نشر بتاريخ: 13/02/2012 ( آخر تحديث: 22/02/2012 الساعة: 09:02 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - ان الصورة هي محاولة للاحتفاظ بالواقع أو الحدث أو الشخص وهي شكل ظاهر وخفي من أشكال محاولة التملك،وحين يعجز الإنسان عن اقتلاع الأهرامات واخذها الى بيته يقوم بتصويرها، أو يلتقط لنفسه صورة أمام الأهرامات، وكذلك مع صديقه او صديقته أو إفراد أسرته، ومن خلال العدسة يحاول أن يمتلك البحر أو جزء منه أو صورة تذكره بجماله أو ألمه.

اذن من الناحية السيكولوجية، كلما زاد استخدام الصورة ازدادت الرغبة في التملك، لذلك وفي حال التقاط صورة لشخص ما أو مدينة ما ، فإن هذا يعني ازدياد تعلقك بهذا الشيء، العلاقة طردية بين الذي يلتقط الصورة أو يستخدمها وبين الشيء أو الشخص المراد تصويره.

الحبيب يستخدم صورة حبيبته، وأفراد الأسرة يحتفظون بصورهم، والسجين تعلق صورة لمنزله أو أفراد أسرته فوق رأسه، ولكن اشتداد ذلك وارتفاع وتيرته يعني سيطرة الفكرة ذاتها على سلوكنا، ولذلك وفي كثير من حوادث الاعتداءات وحوادث الاغتصاب يجد المحققون الجاني يحتفظ بصورة الضحية.

وبذلك يكون الجاني قد أحرق مراحل كبيرة في الانتقال من الإعجاب إلى الحب إلى الرغبة في الامتلاك إلى العجز عن الامتلاك إلى محاولة الامتلاك بالقوة أو تحطيم الشيء وقتله.

والأمر كذلك مع الشخص ذاته أي بينه وبين نفسه، فهناك أشخاص يملئون منزلهم بصورهم ، أو بصور شخص يحبونه وبشكل مبالغ فيه ويتعمدون تضخيم حجم الصورة بشكل لافت للانتباه.
وهي في ابسط حالاتها " الوقوف عند مرحلة الإنكار" فالشخص يريد ان ينكر ان والده قد مات، فيلجأ إلى الإكثار من صوره على جدار البيت، أو يخاف الفناء فيوزع صوره بكثرة على أصدقائه وعلى جداريات مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه يريد ان يؤكد للاخرين ولنفسه انه موجود بكثرة في الذاكرة الحاضرة ، بل يطلب البعض من أولادهم غالباً إطلاق اسماءهم على مواليدهم ويشعرون براحة كبيرة جراء ذلك، وقد يصل الأمر إلى الابتزاز الاجتماعي داخل الأسرة من اجل هذه القضية ثم تتحول الى نفاق ومن ثم الى عادة مستمرة .والصدمة عند هؤلاء تكون أكبر، حيث يكتشفون أن كل محاولاتهم لم تنجح، وأن الحياة لا تعترف إلا بالمقاييس الاعتيادية.
والصورة أيضاً الذات الأخرى، فأحياناً نمزق صور مرشح للانتخابات أو نضع علامة قبيحة لشخص ظهرت صورته على المجلة او نرسم اشارة لا احب على موقع التواصل الاجتماعي لشخص ما ، مما يرتقي بصورة الشخص في مخيلتنا إلى درجة جديرة بالدراسة.. فالصورة هي المكان من جهة والزمان من جهة أخرى و " أنا" و "أنت" و "هو" أنها ما نريده نحن من الواقع ولا نريد غيره.
اذن ومن اجل ان نفهم الصورة بشكل أدق علينا ان نفهم صورة الصورة في داخلنا ...فماذا يعني أن الفلسطينيين يكثرون في صحافتهم من نشر صور النساء الباكيات الشاكيات، وماذا يعني أن الإسرائيليين يكثرون من نشر صور الجنود باللباس العسكري والمجندات وهم يضحكون؟؟
هل علق الفلسطينيون عند مرحلة اللجوء وعقدة الاضطهاد!!! هل يتلذذ الإسرائيليون وبكل سادية بانتصار جنودهم !!! وباحتلالهم لقرى الفقيرة العزلاء!
قد يكون ذلك صحيح لكن الأمر أعمق من هذا بكثير، فإسرائيل قد تخطت الصورة النمطية لتأثير الصورة، ووصلت حد " تصميم" الصورة المراد الاحتفاظ بها، ولذلك تستخدم وسائل الإعلام الإسرائيلية الصورة " الثابتة أو المتحركة أو الكاريكاتورية" بشكل باطني وتستخدم الإيحاء تارة والتورية أحياناً قي تكريس وترسيخ مفاهيم محددة منع أية مفاهيم أخرى من التسلل والوصول إلى عقل المستهلك من الجبهة الداخلية.

فهناك "طريقة إسرائيلية" في طريقة التقاط الصورة التي سيحتفظ بها الجمهور في مخيلته وهو امر درسه الاحتلال بشكل منظم من اجل منع الجمهور الاحتفاظ بالصور الحقيقية البشعة للاحتلال واستبدالها بصور اخرى جرى العمل على ابتكارها وترتيبها ، وهناك ألوان محددة وأبعاد محددة، وشروط معقدة للصورة التي يستخدمها الإعلام الأمريكي، مما يجعل من الأمر في غاية الخطورة، ويشبه " مسح الذاكرة" من جهة " " وتحكم في خيال الجمهور" من جهة أخرى. وقد رأينا كيف اختارت وسائل الاعلام الامريكي - ليس بالصدفة - صورة لمجندة تجرّ حقيبة سفر على عجلات للدلالة على الانسجاب الامريكي من العراق وهو امر مخالف للواقع ، فالاحتلال الامريكي للعراق لم يكن رحلة سياحة كما يبدو .

وكما أسلفنا من قبل فإن الصورة هي انعكاس للواقع من جهة وهي جزء من الواقع وليس كله، وهي انطباع مشروط بزمان محدد كما أنها تتأثر بالتكرار... فتكرارها يحولها الى صورة نمطية.

مثال "جندي إسرائيلي يحمل بندقيته ويطلق النار على تظاهرة"، ومثال " مجاعة إفريقيا تعني ناس ذو بشرة سوداء يعانون الجفاف" ومثال " البرازيل يعني راقصات السامبا" وفرنسا تعني الموضة والعطور وانجلترا تعني الساعة الدقيقة وسويسرا تعني بحيرة خلابة وأناس لطفاء والعرب تعني النفط ورجل يلبس دشداشة ويجرّ وراءه 4 نساء يلبسن النقاب وهكذا عملت وكالات الانباء على ترسيخ صور نمطية في عقولنا للشعوب الاخرى والقضايا الاخرى .

إن الصورة التي تتناقلها وسائل الاعلام تساهم بشكل كبير في خلق التصور المطلوب، ومن يتحكم بالصورة يتحكم بالخيال والتصوّر. ومقارنة واحدة بين عدد الصور في صحيفة عربية وصحيفة إسرائيلية ستظهر أن النسبة ستكون 1 – 10، أي أن الصحافة الإسرائيلية تستخدم الصورة عشر أضعاف ما تستخدمه الصحافة الفلسطينية وبالتالي فإن قوة وقدرة تحكم إسرائيل بالصورة تفوق الفلسطينيين عشر مرات.

وبالتالي نسأل، ما هي الصور ومصادر الصور التي يشاهدها الإسرائيلي ؟ سنجد أن غالبية الجمهور الإسرائيلي يثق بوسائل الإعلام الإسرائيلية، أو يتعرض لوسائل الإعلام الإسرائيلية بكثافة وبشكل يومي، وبالتالي فإن معظم تأثره سيكون بالصورة التي تستخدمها وسائل الإعلام العبرية، وصولاً الى نتيجة مفادها أن تصوّر الجبهة الداخلية الإسرائيلية معروف سلفاً، فهو لا يتعرض لوسائل الإعلام الكورية أو السويدية أو الفنلندية أو الهولندية أو الايرلندية أو الإفريقية أو اليابانية أو العربية.

والصحف العبرية مليئة بالالوان ، ومجرد مقارنة بسيطة بينها وبين الصحف العربية – الفلسطينية مثلا – سنجد فارقا شاسعا في قوة التأثير على القارئ ، وسنجد ان اللون الاحمر هو اللون الغالب على الصحف العبرية ، ويستخدام اللون الأحمر حتى يساعد في معالجة الشعور، وكذلك الشخص الذي يرتدي اللون الأحمر في أحد الأيام فاعلم أن خلاياه تحتاج لموجة اللون الأحمر حتى تدعم شعوره بالانتماء، فهو يعاني من عدم الانتماء، والأحمر يكون علاج حالته وهذا يفسر سر السجادة الحمراء التي تفرش لأي دبلوماسي يزور بلداً ما غير بلده، فهم يقومون بفرشها حتى يرفعوا من روح الانتماء للبلد التي يزورها .

اما اللون المفضل لدى اسرائيل فهو الازرق والازرق حسب ويكيبيديا : يمثل اللون الأزرق لون الذكورة بالنسبة لملابس الأطفال فهو يستخدم للأولاد بعكس الأحمر أو الزهري فهو لون الأنوثة ويستخدم للبنات. ويستخدم اللون الزرق الفيروزي كتعويذة من الحسد. ولا شك ان علماء النفس يعتبرون من يلبس او يفضل اللون الازرق بكثرة يعاني من مشكلة ويبحث عن حقيقة ضائعة او شئ مفقود كما انه لون روحاني لدى البعض الاخر .

ونحن نعيش اليوم في عالم تشغله المؤثرات البصرية بكامل تطورها التكنولوجي وابعادها الثلاثة حيث الاشارات الدالّة والتنميط الواعي وهو ما يمكن ان نقول انه الذاكرة البصرية ، واحيانا انت تنسى رقم هاتف ولكنك اذا امسكت بالارقام وبدأت تنظر اليها تتذكر ذلك الرقم فورا .

ويبدو اننا بحاجة ماسة الى دورات متخصصة للصحافيين في فلسطين لدراسة بناء مفهوم الصورة - و الصورة البصرية في التصورات النفسية - والاحساس الترابطي فالصورة عند بياجيه ليست امتدادا للإدراك، بل هي عملية ذهنية مرتبطة بنشاطات ذهنية، اما بعض العلماء الالمان فيتحدثون عن الأوهام الإدراكية وهم يولون أهمية قصوى للأوهام الإدراكية في بنائها النظري الشكلي.

وحتى لا نقتل ما نحب ، وحتى نحتفظ بأجمل صورة عن وطننا وأهلنا ، ان الاوان ان ندرس ونتعلم استخدام الصورة سيميائيا بشكل محترف في الصحافة الفلسطينية والعربية ، بدء من الكاميرا المناسبة ومرورا بزاوية الانعكاس ونوع العدسة وكمية الضوء وصولا الى طريقة وحجم مساحة النشر .

فكل صورة ننشرها تساهم في تنميط حياتنا على صفحات جوجل ، ولو دخلنا على ( جوجل صور ) وكتبنا محمود عباس او مشعل او فياض او المسلمون او المسيحيون او مروان البرغوثي او الثورة المصرية او غزة او حماس سنجد ان كل ما نصوّره وننشره هو مساهمة مباشرة وفورية في تشكيل صورة عن حياتنا امام شعوب العالم .