السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

حذاري من العشوائيات في فلسطين

نشر بتاريخ: 05/02/2015 ( آخر تحديث: 05/02/2015 الساعة: 22:20 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

مع تاخر الرواتب وشن اسرائيل أكبر عملية افقار للشعب الفلسطيني - الفلسطيني معروف بيسر الحال والخيرات وهو صاحب عز وجاه - تزداد خطورة نشوء امراض اجتماعية اقتصادية خطيرة ، وخصوصا ان هناك تراجع حكومي واضح في دعم الفئات الهشة في المجتمع .

حذاري من العشوائيات في فلسطين ، حذاري من المناطق التي لا تصل اليها اموال الدعم ولوازم الصمود والبنى التحتية والتعليم المحترم ووسائل النقل والشرطة وهندسة البلدية ... حذاري من المناطق التي اهملتها السلطات والبلديات والتنظيمات فتحوّلت الى نقاط سوداء على رادار المجتمع . حذاري من بيوت الطوب والصفيح ودكاكين الارصفة التي سرعان ما تتحوّل الى مرتع للجريمة والخارجين عن القانون . تبدأ عادة بمبرر اخلاقي او وطني ومن خلال مناضل هنا ومناضل هناك لكنها سرعان ما تتحول الى " جزيرة للاجرام " .

انفق الزعيم عرفات ما يقارب عشرة مليارات اول عشر سنوات على قطاع غزة لمحاربة الفقر ، وانفق على مشروع بيت لحم الفين ما يقارب مليار دولار ، ومن يشاهد رام الله اليوم وما وصلت اليه الان ، يعلم تماما ان حجم الاستثمارات التي صرفت عليها منذ دخول السلطة حتى الان قد تصل الى عشرين مليار دولار ، فقد تحوّلت رام الله الى مدينة جميلة وراقية تنافس الاحياء الغربية في العواصم العربية ، وربما هي احدث وارقى واجمل المدن الان من ناحية الفيلات الراقية والابراج الزجاجية ... ولكن : ماذا عن المناطق الاخرى ؟

كل عشوائية تبدأ بمسوّغات مفهومة واهداف وطنية مشروعة ، تماما مثلما بدأت في مصر ايام نقل الزعيم الكبير جمال عبد الناصر اهالي الارياف لمناصرة الثورة ، هؤلاء المناضلون الفلاحون أقاموا في ضواحي القاهرة بشكل عشوائي حتى تحوّل اولادهم بعد جيل الى حزام ناري يفخخ خصر العاصمة . وهكذا يحدث الان عندنا في فلسطين ، تبدأ الامور تتدرحج من "مشروعية تحدي الاحتلال" والبناء من دون ترخيص الى تجارة السيارات المسروقة الى تهريب البضائع الى مناطق نفوذ للعصابات . وكل فلسطيني يعرف اين هي هذه المناطق ومن الذي يسيطر عليها وان مساحتها تزداد اضعاف مساحة رام الله ومساحة غزة !!!

وحول العاصمة القدس ، هناك حزام ناري من العشوائيات تساعد اسرائيل على بقائه وتطوير وجوده بل وتمنع السلطة من ايصال الخدمات اليه ، لا قانون ولا حسيب ولا رقيب ، و تتحوّل هذه المناطق الى ظاهرة غير موصولة بالخدمات التعليمية والشرطية والبلدية والطبية والخدماتية ، بل انها تتحوّل الى عشوائيات بكل معنى الكلمة . وبعد سنوات قليلة لن تستطيع اية سلطة ازالتها او عادة تنظيمها او السيطرة عليها ، ومن خلال عملنا في الصحافة صرنا نعرف ان هناك منطقة " عشوائية " في كل محافظة ، يلجأ اليها الفقراء والمعدمين ومن ثم لجأ اليها اللصوص وتجار المخدرات وحرامية السيارات والهاربين من وجه العدالة والذين يخبئون البضائع بعيدا عن الضريبة .

السلطة الفلسطينية تسيطر على رام الله بشكل جيد ونموذجي ، وحماس تسيطر على غزة بشكل كامل ، واسرائيل تسيطر على القدس بشكل خانق ، ولكن بين رام الله والقدس وغزة نشأت " مناطق رمادية " معظمها في مناطق جيم ، لا احد يسيطر عليها الا بقوة الذراع وقوة المصلحة .

الفقراء ملح الارض ، وقد انجبت الطبقات الفقيرة أكبر المبدعين والقادة العظام والمكافحين والشعراء والعلماء الذين غيّروا وجه التاريخ بابداعاتهم . اما الرعاع فهم اؤلئك الذين اتخذوا الفقر ذريعة للانحراف والاجرام وأغرقوا انفسهم في مستنقع اللاعودة والاعتداء على الاخرين للانتقام من المجتمع طلبا للكسب السريع وبأية طريقة . وقد عانت كل الثورات من الرعاع مثل قطّاع الطرق والمغتصبين واللصوص والقتلة وتجار الاغذية الفاسدة وموزعي المخدرات والبلطجية والشبيحة وتجار النساء والمحرضين الذين لا هم لهم سوى تهييج العوام ، ومزوري العملة والاراضي . فحاربهم القادة ولاحقوهم قبل ان يفسدوا المجتمع ويروّعوا أمن الناس . واحيانا كانت تعجز الثورات عن القضاء عليهم بسهولة فتدخل الدول ضدهم معارك قاسية وهذا حدث في كولومبيا وعند محاربة المافيا الايطالية وفي نيويورك وفي روسيا ومن دون علاج جذري يمكن للطفيليات ان تقتل الاسد .