الثلاثاء: 16/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

بعض الكلام: عن فلسطين وعن الأمن بمناسبة السويد!

نشر بتاريخ: 29/04/2015 ( آخر تحديث: 29/04/2015 الساعة: 20:18 )

بقلم د.محمد نعيم فرحات

ان تتمكن السلطة الفلسطينية عبر أجهزتها المختصة من إطلاق سراح رهينتين سويديتين كانتا محتجزتين عند الجماعات المسلحة في جنوب سوريا، فهذا أمر مهم ودال بكافة المعاني الإنسانية والأخلاقية والسياسية الأمنية.

ومن المؤكد بان الأقدار قد كتبت للرهينتين المفرج عنهما حظاً سعيداً استثنائياً، لم يكن في متناول أصحاب المصائر القاتمة ممن جرى خطفهم في المسرح السوري أو المسرح العراقي تحديداً، حيث آلة القتل والسفك، لم يكن في فقهها أي متسع لإمكانية إطلاق السراح إلا ما ندر.

غير أن أمران مهمان يوجدان في أعماق الحدث، يحتاجان من الفلسطينيين أولا وبالذات، التوقف عندهما الأول: قدرة فلسطين على أن يكون لها حيز داخل الأوضاع المعقدة الشاقة في المنطقة، حيث جاء في حيثيات الإفراج، بأن التفاوض مع الخاطفين استخدم أهمية مثل هذا الأمر بالنسبة لفلسطين، بمعنى آخر، كلما كانت فلسطين مرجع عمل الفلسطينيين ودليل عملهم، كلما كانوا في وضع معافى إلى حد بعيد، وكانوا في حيز الصواب أكثر، وامتلكوا القدرة على التأثير والفعل، وكلما ابتعدوا عن ذلك وتصرفوا كفلسطينيين بدون ثقل ومعنى ودلالة فلسطين، كلما خسروا وذهبت ريحهم واندحروا بعيداً عن الأهمية والمعنى.
إن تجربة العمل الفلسطيني على مدار القرن الأخير تحديدا، تؤكد هذه البديهية والحقيقة، فيما مأزق مختلف القوى السياسية والفلسطينية يرتبط على نحو حاسم بمدى ابتعادها عن حقيقة فلسطين الأصيلة ومعناها العالي.

أما الأمر الثاني فيرتبط بدوره بحقيقة حاسمة في الحياة السياسية، تقول بان الأمن هو الأساس الأول الذي تقوم عليه الدولة المقتدرة ومنطقها ، الأمن بمعناه الاستراتيجي والعميق، وليس بمعناه المباشر القائم على ضبط المعرضين وزجر الناس لصالح سياسة غاشمة ليس لها مشروع جاذب يلاقي فيه عموم الناس مصالحهم وعواطفهم على نحو معقول، والأمن بما هو كذلك يصبح قاعدة وهدف ورهان للاقتصاد والثقافة والتربية والعلاقات الخارجية وما يشغل الناس من قضايا ومن هموم والعكس ايضا صحيح.

ورغم أن طريق الفلسطينيين نحو هذا المفهوم للأمن لا زال طويلا وشاقا ويحتاج لتحولات بنيوية ثقافية عميقة في وعيهم لهذه المسالة، وإدراكها كما يجب ، إلا أن تجربة السنوات القليلة الماضية أظهرت بان الذهاب نحو هذا المسار ضمن ممكنات الوضع الفلسطيني الراهن وتعقيداته البنيوية والموضوعية، هو آمر ممكن من جهة ، ويفترض أن يشكل انشغالا مركزيا عند المعنيين به قابل للتفاقم والتراكم من جهة أخرى.

إن هذا التحول المهم بدرجته ونسبته القائمة والظروف التي يجري فيها، هو مطلع تحول جوهري يجب مفاقمة، والعمل على إدماج الأمن- بمعناه العميق- كقاعدة هي الأساس لعمل كل سلطة معنية، على نحو يتنافذ فيه ويتبادل التأثيرات مع المجالات الحيوية في الحياة العامة : كالثقافة والتربية والاقتصاد وكل العوامل المنتجة للأمان والتوازن الوجوديين. و يعي الرجل الذي يقف على رأس المخابرات الفلسطينية حاليا هذا الأمر على نحو عميق، ويعمل بضوئه، بهدوء وبدون سخب أو دعاية.