الخميس: 28/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى النكبة .. نقد الفكر السياسي الفلسطيني

نشر بتاريخ: 14/05/2015 ( آخر تحديث: 14/05/2015 الساعة: 10:59 )

الكاتب: د. وليد القططي

بعد الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة في العام الماضي أُعلن الكيان الصهيوني عن تشكيل لجنة تحقيق لتقصي الحقائق واستخلاص العبر خاصة بالحرب , وهو تصرف اعتاد الكيان الصهيوني القيام به عقب معظم حروبه وعملياته العسكرية وفعالياته المدنية , وذلك يدخل في إطار النقد الذاتي الهادف إلى المراجعة والتصحيح , واكتشاف الأخطاء لتلافيها , ومعرفة نقاط الضعف لعلاجها , ومعرفة نقاط القوة لتعزيزها ... وسرعان ما تلقفت هذا الخبر الأوساط الفصائلية والإعلامية الفلسطينية لتتخذه دليلاً على الهزيمة وبرهاناً على الفشل , وبالرغم من فشل العدو في تحقيق أهدافه العسكرية وكسر إرادة القتال لدى المقاومة وإرادة الصمود لدى الشعب , ونجاحه فقط في إلحاق الأذى البشري والمادي بغزة , إلّا أن تشكيل لجان التحقيق أو تقصي الحقائق لا يُعد مؤشراً على هذا الفشل , لأنه تصرف صحي يفيد الكيان الصهيوني على أكثر من مستوى .

وإذا كان العدو الذي نجح في تحقيق مشروعه الصهيوني الرامي إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من خلال دولة " اسرائيل " يقوم بعملية النقد الذاتي والمراجعة المستمرة لكيانه وحروبه وفعالياته العسكرية والمدنية , فإنه من الأولى بنا – نحن الفلسطينيين – أن نقوم بذلك , خاصة في الذكرى السابعة والستين للنكبة , التي تذكّرنا بفشلنا المتواصل في تحقيق مشروعنا الوطني الرامي لتحرير فلسطين والعودة إليها وانتزاع استقلالنا الوطني . وعملية النقد الذاتي مُلحة للكل الفلسطيني كي نصحح مسيرة الحركة الوطنية بمفهومها الشامل ونضع أقدامنا على الطريق الصحيح التي توصلنا إلى تحقيق مشروعنا الوطني , ولا يتم ذلك إلّا بالتخلّص من حالة النرجسية الفصائلية التي تجسّد منهجية " كل حزب بما لديهم فرحون " وتجيد مدح الذات والثناء على النفس , وتُلقي اللوم باستمرار على العوامل الخارجية فقط , وعندما تفشل ترد الأمر إلى الله تعالى وتتناسى قوله تعالى " قل هو من عند أنفسكم " وأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سبباً وأنه تعالى قد ربط بين السبب والنتيجة في الكثير من آياته الكريمة .

والفكر السياسي الفلسطيني الذي يوّجه العمل الوطني والسياسي لم يتعّود على فكرة النقد الذاتي التي تعتبر لجان التحقيق أو تقصي الحقائق أو استخلاص العبر إحدى أدواتها , وبالتالي يبقى الخلل وتستمر الأخطاء ويتواصل العجز , مما يفاقم أزمة المشروع الوطني الفلسطيني ويعّمق مأزقه . ومن مظاهر الخلل في الفكر السياسي الفلسطيني التي من المفترض أن تطالها عملية النقد والمراجعة أن هذا الفكر مشتت إلى درجة التناقض في جوانب جوهرية في مضمونه , كما أنه يبني الكثير من نظرياته على افتراضات ثبت خطأها .

فبالنسبة لتشتت الفكر السياسي الفلسطيني فإنه لم يتفق على طبيعة العدو " دولة إسرائيل " ولا على هوية الصراع معه , وبالتالي لم يتفق على رؤية موّحدة للعمل الوطني أو مشروع وطني متفق عليه . فالاختلاف حول طبيعة العدو " دولة إسرائيل " تفاوت بين اعتبارها دولة دينية يهودية , أو دولة قومية صهيونية , أو دولة إمبريالية استيطانية , أو دولة تمييز عنصري ... ونتج عن ذلك رؤى مختلفة لهوية الصراع ما بين اعتباره صراعاً دينياً بين المسلمين واليهود , أو صراعاً قومياً بين العرب والصهاينة , أو صراعاً طبقياً بين الكادحين والامبريالية الرأسمالية , أو صراعاً ضد التمييز العنصري الذي يمارسه اليهود ضد العرب , أو صراعاً وطنياً بين الفلسطينيين والاسرائيليين ... وامتد هذا التشتت إلى الاختلاف حول رؤية العمل الوطني والممارسة النضالية ما بين مؤمن بالعمل السلمي والتعاون مع بعض الأوساط الاسرائيلية , أو بالعمل السياسي على المستوى الدولي , أو بالمقاومة الشعبية غير المسلحة ... وصولاً إلى المقاومة المسلحة طريقاً وحيداً لتحرير فلسطين .

ومن جانب آخر فإن الفرضية التي تم على أساسها التراجع عن المشروع الأصلي وصياغة المشروع الوطني المعدّل أو البرنامج الوطني المرحلي هي الفرضية المبنية على الواقعية السياسية أو الثورية التي تفترض أن العدو سيترك لنا الضفة والقطاع إذا تنازلنا عن فلسطين المحتلة عام 1948 بضغط من العالم والعرب , وبعد أكثر من عشرين عاماً على اتفاقية وسلطة اوسلو , فقد سقطت هذه الفرضية وسقطت معها الواقعية السياسية – الثورية التي تحوّلت إلى واقعية نفعية انتهازية , وتحوّلت المرحلية إلى هدف نهائي دائم , والتكتيك إلى استراتيجي ... فكانت النتيجة هي استبدال الوطن بالدولة , واستبدال الدولة بكيان سياسي أقل من الدولة وأكبر من الحكم الذاتي , يُعطي الاحتلال غطاءً سياسياً ويريحه من الأعباء المدنية والأمنية للاحتلال , ويمر من تحته كل مشاريع الاستيطان , ويُصوّر على أنه إنجاز وطني ولكنه يجهض أي انجاز وطني حقيقي , ويوهم الناس بأنه الطريق إلى تحقيق المشروع الوطني وفي الحقيقة أنه مقبرة للمشروع الوطني وليس جسراً للعبور إليه .

وخلاصة الأمر ونحن نعيش الذكرى السابعة والستين للنكبة , وكي لا نحيي ذكرى النكبة السابعة والسبعين والسابعة والثمانين وربما السابعة بعد المائة لا بد من إعادة النظر في الفكر السياسي الفلسطيني ومراجعته وتصحيحه لنصل إلى رؤية موّحدة لطبيعة العدو وهوية الصراع معه وبناء رؤية متكاملة للعمل الوطني , والاتفاق على مشروع وطني فلسطيني موّحد قائم على أساس الثوابت الوطنية ونهج المقاومة , وينهي الفصام الوهمي بين الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والهوية الإسلامية .