الثلاثاء: 30/04/2024 بتوقيت القدس الشريف

أوقفوا الإعتداءات ليتوقف نزيف هجرة الكفاءات

نشر بتاريخ: 15/03/2018 ( آخر تحديث: 15/03/2018 الساعة: 23:33 )

الكاتب د.علي سلمان
إن من ما أروع ما قاله الرمز الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "الثورة ليست بندقية ثائر فحسب، بل هي معول فلاح ومشرط طبيب وقلم كاتب وريشة فنان"
إن دور الطبيب - ولا سيما الاختصاصي في التخصصات الفرعية النادره- في أي مؤسسة صحية فلسطينية حكومية أو خاصة لا يقل أهمية عن دور أي وزير أو وكيل أو مدير أو أي مسؤول في أي من الوزارات والمؤسسات الاخرى في تقديم الخدمه للمواطن الفلسطيني، فهل عجزت الحكومة يوماً من الأيام عن توفير وحماية اي وزير أو وكيل او اي مسؤول؟ بالتأكيد الإجابة لا..
منذ سنوات تنامت ظاهرة العنف المادّي واللفظي المسلّط على الأطبّاء وتعرّضهم للقدح والذمّ، حيث أن الأطباء يعانون من حوادث اعتداء بين الفترة والاخرى، ومن الملحوظ أنها تكررت في الفترة الماضية بشكل مستمر ومن المخيف أن تصبح ظاهرة طبيعية اذا استمرت في نفس الوتيرة! ومن الواضح أن هذه الظاهرة تفاقمت بشكل ملحوظ لسببين: الأول: هو أن الروادع الحالية غير كافية في ضل غياب السلطة التشريعية وتقاعس السلطتين القضائية والتنفيذية تصديقا للمثل القائل ( فمن أمن العقاب أساء الأدب ).
والسبب الثاني هو بروز ثقافة ما يسمى بالحق العشائري ورد الإعتبار للمعتدى عليه مما يشجع العديد من الجهلة التعدي على الطواقم الطبية باعتقادهم أن الأمور سوف تنتهي بفنجان قهوة وبجاهة عشائرية.
إن مثل هذه الاعتداءت ليست من قيم وأخلاق شعب يرزح تحت نير الاحتلال حيث انها تشوه سمعة الشعب الفلسطيني بشكل عام والقطاع الصحي الطبي بشكل خاص، فضلاً عما تحدثه من إرباك واضطراب في انتظام الخدمات الطبية. والأكثر خطورة من ذلك أن تؤدي هذه الظاهرة إلى هجرة العديد من الكفاءات التي نحن في أمس الحاجة لها في أوج بناء مؤسسات الدولة المرتقبة. والأشد فتكا وخطورة من ذلك هو ظاهرة هجرة الأجيال القادمة ممن يدرسون الطب حاليا -وهم من خيرة أبناء الوطن- نتيجة ضبابية المشهد الصحّي في نظرهم إذ يلاحظون تدهورا مستمرّا لأوضاع القطاع ولا يرون في الأفق بوادر إصلاحات أو مراجعات للنّهوض به.
لقد كان اخر هذه الإعتداءات ما قام به مجهول بالإعتداء على قامة وهامة طبية في مدينة الخليل بالأمس حيث أن الزميل المعتدى عليه طبيب مميز يحمل الجنسية الأمريكية والبورد الأمريكي في إحدى التخصصات الفرعية (الأمراض الهضمية والمناظير) حيث كان بإمكانه الاستمرار بالعمل في الولايات المتحدة بعشرات أضعاف العائد المادي والاحترام والتقدير من قبل المجتمع الأمريكي لكنه فضل العودة لخدمة المواطن الفلسطيني الذي قابله بعدم الاحترام الى ان وصل الامر الى حد الاعتداء عليه.
من المحزن جدا أنه في الوقت الذي يمارس فيه بعض الاشخاص الإعتداء على الطواقم الطبيه والمؤسسات الصحيه الوطنيه يقوم الاحتلال وللأسف باستقطاب هذه الكفاءات ومنحها العديد من الإمتايازات تقديرا منه لقيمتها وطاقاتها العظيمه في خدمة الاسرائيلي من وجهة نظره.
ومن الامثلة على ذلك ما ما حدث قبل عدة سنوات عندما منح الإحتلال باستثناء من رئيس الوزراء ووزير الامن الداخلي ووزير الداخليه الاسرائيلي الهوية الزرقاء لجراح فلسطيني مشهود له بالكفاءة والبراعة في تخصص نادر جدا ونحن في امس الحاجة له في المؤسسات الصحيه الفلسطينيه (جراحه الأوعيه الدمويه) نتيجه تهديد هذا الجراح للمشفى الذي يعمل به بالاستقالة لأنه لا يمكنه قيادة مركبتة الخاصة داخل القدس المحتلة، مما أجبر وزير الصحة الاسرائيلي شخصيا على مخاطبة أصحاب العلاقه لإصدار استثناء تقديرا لكفاءته وحاجتهم له. أضف الى ذلك ما قام به الاحتلال قبل فترة قصيرة عندما منع طبيب فلسطينيا مميزا يحمل البورد الامريكي في تخصص فرعي فريد (الامراض الصدرية) كان يخدم مواطني الضفة والقطاع والقدس الشرقيه من العمل في الاراضي الفلسطينية لعدم منحه تصريح يسمح له بالعمل في القدس المحتله والضفه كونه من قطاع غزة. كل هذا يحدث في الوقت الذي يعجز فيه القضاء الفلسطيني وأصحاب القرار من سن قانون رادع وصارم يجرم الاعتداء على الطواقم الطبيه بعقوبة لا تقل عن غيرها من أقصى العقوبات للحد من هجره الكفاءات والحد من نفور العديد منهم بالعوده للوطن وهذا سوف ينعكس سلبا على المنظومه الصحيه الفلسطينيه.
في النهايه اود القول ان هذه القضيه لا تقل أهميه عن اهم القضايا الاخرى التي تخص المجتمع الفلسطيني ونأمل عاجلا وليس اجلا أن تتحرك وزارة الصحة ونقابه الاطباء بالتعاون مع السلطات الثلاث (التشريعيه والقضائيه والتنفيذيه) بالإضافه الى السلطه الرابعه(الإعلام) والتي لا تقل أهميتها عن باقي السلطات في مواجهة هذه الحوادث والاعتداءات لدق ناقوس الخطر للحد من ظاهره هجره الكفاءات التي باتت حتميه لا سيما في الاجيال القادمه بالاضافه لمحاوله الحد من انعدام ثقه المواطن في القطاع الصحي الفلسطيني.