السبت: 04/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل ستعلن "صفقة القرن" المزعومة قريبا؟

نشر بتاريخ: 09/05/2019 ( آخر تحديث: 09/05/2019 الساعة: 14:33 )

الكاتب: سامر سلامه

أعلن مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير أن صفقة القرن ستعلن قريبا جدا وتحديدا بعد نهاية شهر رمضان المبارك. وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن عرابي ما يسمى بصفقة القرن كوشنير أو غرينبلات أن الصفقة أصبحت جاهزة وسيتم الإعلان عنها قريبا، وإنما تم ذلك عدة مرات خلال العامين الماضيين إلا أنهما وفي اللحظة الأخيرة يعلنان عن تأجيل الإعلان لأسباب مختلفة! فهل ستعلن فعلا هذه الصفقة المزعومة في الموعد المحدد بعد رمضان أم أن مصيرها التأجيل كما في المرات السابقة؟ وفي حال تم التأجيل فلماذا تصر إدارة ترامب ومستشاريه على الإعلان بشكل متكرر عن قرب الإعلان عن الصفقة المزعزمة؟ وإن تم إعلانها فعليا الشهر القادم (بعد رمضان) فهل ستشمل ما هو جديد أم مختلف عما يتم تداوله من تسريبات عما يقال بأنه الصفقة؟ فقبل الإجابة على هذه الأسئلة التي تثار بشكل يومي والتي أصبحت حديث معظم الصالونات السياسية في المنطقة، لا بد من التعمق ولو قليلا في عقلية الرئيس الأمريكي ومن خلفه من المجموعات الدينية والسياسية في الولايات المتحدة وإرتباطها بالحركة الصهيونية والأحزاب اليمينية في إسرائيل والعالم.
لا يختلف إثنان أن الذي جاء بالرئيس الأمريكي ترمب هم اليمينيون المتطرفون وخاصة المسيحيون الإنجيليون المتصهينون. فهذه المجموعات الدينية تؤمن بشكل كبير أن على إسرائيل بسط نفوذها وسيطرتها على كامل الأرض الفلسطينية بما فيها القدس والضفة الغربية وأن على اليهود أن ينتشروا في تلك المناطق حتى تصبح الظروف مؤاتية لقدوم السيد المسيح وذلك بحسب تفسيرات مشوهة للكتاب المقدس! هذا الموضوع الجوهري والعقائدي التي تؤمن به تلك المجموعات المتصهينة والتي تحاول أن تفرض ما تؤمن به على المنطقة والعالم هو السبب الرئيس وراء إصرار ترمب وإدارته على تنفيذ خطط وتوجهات المجموعات الدينية المتصهينة في الولايات المتحدة والتي يعود بعض تلك الخطط والتوجهات لأكثر من 100 عام مضت.
ومن هنا فإنني أعتقد أنه لا يوجد صفقة وإنما يوجد مخطط يجري تنفيذه رويدا رويدا وبهدوء. فكما أعلن الرئيس أبو مازن أن المخطط قد بدأ تنفيذه في ديسمبر 2017 حينما أعلن الرئيس ترامب إعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ومن ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة ثم وقف كافة المساعدات المالية المقدمة للأونوروا وللسلطة الوطنية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني. وآخر ما أقدمت عليه إدارة ترامب هو إعتراف الولايات المتحدة بضم الجولان السوري المحتل لإسرائيل. فإن ما يقوم به عرابي الصفقة المزعومة من الإعلان المتكرر عن قرب الإعلان عن الصفقة ومن ثم التأجيل ما هو إلا لزيادة الإثارة حول موضوع الصفقة ولوضع الجميع في حال من الإنتظار لمعرفة تفاصيل الصفقة أو الإستمرار في التكهن عن فحوى هذه الصفقة المزعومة وخاصة إثارة القيادة الفلسطينية لدفعها على الإستمرار في رفض الصفقة قبل معرفة تفاصيلها وبالتالي إتهامها بأنها لا تريد السلام وأنه ليس هناك شريك فلسطيني يمكن الوثوق به. كل ذلك لضمان الإستمرار في الإثارة والتكهن والبلبلة وإضعاف ثقة القيادة الفلسطينية بنفسها وإلهائها في البحث في كيفية مواجهة شيء خفي غير معروف وكأنها تواجه مجموعة من الأشباح في الوقت التي تعمل هذه الإدارة وشريكتها دولة الإحتلال الإسرائيلي على فرض الحقائق على الأرض لكي نصحو بين ليلة وضحاها أمام واقع جديد لا يمكن تغييره ليتم الحديث عن كيفية التعامل مع هذا الأمر الواقع. فماذا تبقى من أي صفقة لا تشمل القدس واللاجئين والمنطقة المصنفة "ج" حسب أوسلو؟ بالتأكيد لم يبقى أي شيء سوى قدوم السيد المسيح! لأن ترامب ومن ورائه من المسيحيين المتصهينين قد أعدوا كل شي وهيئوا كل الظروف الضرورية لقدومه!
إنني أعتقد أن الصفقة المزعومة لن يتم الإعلان عنها لأنه لا يوجد صفقة من الأصل. وإنما ما سيتم الإعلان عنه، (إن تم الإعلان عن شي) هو كيفية التعامل مع الأمر الواقع الجديد والمتمثل في كيفية ضمان عيش الفلسطينيين برفاهية تحت الإحتلال. فالمتتبع لتصريحات كوشنير أو غرينبلات فإن معظمها يركز على الترتيبات الإقتصادية وتأمين رفاهية العيش للفلسطينيين دون الحديث عن أي ترتيبات أو حلول سياسية على أساس الشرعية الدولية. فالصفقة إذاً عبارة عن ترتيبات إقتصادية لتأمين عيش الفلسطينيون برفاهية حقيقية في دولة إفتراضية غير موجودة. ولن يكون للفلسطينيين أي حقوق سياسية على الإطلاق في الدولة الإفتراضية سوى العيش برفاهية وكأن الرئيس ترامب يريد أن يضع الفلسطينيون في قفص من ذهب مع ضمان أفضل المأكل والمشرب لهم.
وبالتالي فإنني أعتقد أنه سيتم تأجيل إعلان الصفقة مرة أخرى لحين إستكمال آخر مراحل الخطة بإعلان ضم الكتل الإستيطانية في الضفة الغربية لإسرائيل وبهذا تكتمل تنفيذ الخطة على الأرض، عندها يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع جديد، وبعدها تعلن الصفقة المزعومة والمتمثلة في بحث كيفية ضمان عيش الفلسطينيين برافاهية كبيرة وكأنهم في سنغافورة أو السويد على أشلاء الأرض المتروكة في الضفة الغربية وقطاع غزه. فأمام هذا الواقع ماذا نحن فاعلون؟