الجمعة: 29/03/2024 بتوقيت القدس الشريف

المرحلة الثانية - بدأتها الجزائر ومررتها العراق للسودان وخطفتها لبنان

نشر بتاريخ: 21/10/2019 ( آخر تحديث: 21/10/2019 الساعة: 12:12 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

بعد المرحلة الأولى من ثورات الشعوب العربية ، سيطرت الثورة المضادة ( وهي الثورة الكاذبة التي تندس في صفوف الجماهير وتسرق الانجازات وتعيد إنتاج الإنظمة الفاسدة ) على معظم الانظمة العربية فأعادتها أسوأ من سابقاتها . 
وبسبب قصر نظر الحكومات ظنّوا ان اللّعبة انتهت وأن الجماهير تعبت وخافت وقبلت بالذل والعار والتعذيب في الزنازين والضرب بالعصي على وجوه المتظاهرين ، ولكن وبسرعة أعادت الثورة تشكيل نفسها بصمت وبدأت المرحلة الثانية من الثورات العربية في الجزائر ، وقادت الجماهير نفسها بعشرات الملايين ناموا في الشوارع حتى أسقطوا بوتفليقة وزمرته ورموهم في السجون .. تلاها تجربة الشعب السوداني الذي لم يراهن عليه أحد ولم تدعمه القنوات الغنية ولم تنصفه الدول العظمى ، ومع ذلك عض الشعب السوداني على جرحه وواصل حتى رمى الرئيس البشير في الزنزانة ليكون عبرة لمن اعتبر .
تونس قالت كلمتها وأنه لا أحد يمكن أن يسيطر على الحكم إلا من خلال صندوق الانتخابات وبصلاحيات محدودة ، وأن نظام ( الرئيس الملك ) لن يعود . فلا يوجد رئيس جمهورية يحق له أن يتعامل مع نفسه على أنه ملك ويمدد الحكم لنفسه كما يشاء ومتى يشاء .
ثم العراق . والقصة لم تنته بعد في العراق . لأن الجميع يتوقع وخلال الأيام المقبلة أن تعود التظاهرات وتهزّ عرش النظام الطائفي المسخ الذي دمّر أغنى دولة عربية وحطّمها ، وسوف تعود التظاهرات وتمسح أرض الرافدين بكرامة الفاسدين  . والعراق مفصل أساسي في تكوين الإقليم كله . وما يحدث في العراق سيؤثر بشكل مباشر على ايران وعلى السعودية والكويت ودول الخليج .

إرهاصات ثورية جدية وحقيقية قوية وخطيرة جدا وقعت عام 2019 في غزة ( حراك بدنا نعيش ) ورام الله ( تظاهرات الضمان وإضراب المعلمين ) والقاهرة والبحرين والسعودية وسلطنة عمان . تم قمعها أو التحايل عليها بالوعود وأغلظ الايمان والسيطرة عليها إعلاميا وجماهيريا ، وكعادتها الأنظمة الخائفة لم تقدّم حلولا عادلة ما يعني أن الجمر يلتهب تحت الرماد ، وفي أية فرصة ستعود الامور بشكل أقوى وأخطر وأشد ولا يمكن قمعها او السيطرة عليها . وتكون الجماهير قد تعلّمت درسا مهما وهو عدم الثقة بهذه الانظمة وعدم الرحمة معهم بل زجهم في السجون لأن مكانهم الطبيعي هناك وليس خلف مقود القيادة .
اليمن على حافة التغيير الايجابي ، والأمور لن تستمر في العام 2020 كما كانت في السنوات الخمس الماضية ، وستقوم اليمن بتصدير أوجاعها الى الخارج ، بكل معنى الكلمة .
لبنان وما نشاهده الاّن يقود هذا اليبلد الصغير الذكي الى مفترق طرق . أمّا أن يتم التحايل على الثورة الراهنة والسيطرة عليها بالزعران والتخويف والقمع وهذا مرهون بيد الجيش ( نفس تجربة السودان تماما ) ، أو  أن يحسم الجيش أمره ويرفع الغطاء عن "بارونات"  الطائفية الذين نهبوا البلد وسرقوا مليارات باسم الطائفة وباسم الرب والدين وباسم الحرص على طوائفهم الفقيرة  . وهناك محاولة محمومة من مجانين الطائفية وأثرياء الحرب لطلب المساعدة من الصحفيين وقنوات البث أن تتدخّلأ تنقذهم ولكن جماهير الثورة صارت تفرّق بين  القنوات الأجيرة " الغنية الرخيصة " التي تبث من تلك العاصمة وبين  القنوات التي تغطّي أحداث الثورة والميادين والساحات بمهنية.
  ولا يبدو أن الجيش اللبناني صاحب قرار ، فهو ليس مثل الجيش المصري حين تدخل وحسم الامر ، والجيش اللبناني ليس بمستوى الجيش السوداني أيضا . فالجيش السوداني صاحب قرار نفسه وتدخل وحسم الامر . اما الجيش اللبناني فلا يزال لا يثق بنفسه ولا يثق بقوته ولا بحقوقه . وهو لا يقدر على اعتقال حرامي واحد وزجّه في السجن .
بإعتقادي ان الثورات العربية ستمر بثلاث مراحل ، وهي لم تنه سوى المرحلة الاولى . والمرحلة الثانية في بدايتها .. وأمامنا 5 سنوات قادمة لتنظيف الطبقة الثانية من الأنظمة الوسخة التي سيطرت على ثرواتنا وقراراتنا وجامعاتنا وحياتنا وحياة اولادنا وبناتنا وحوّلتنا الى رقيق العصر . 

كتب الشاعر العراقي مظفر النواب قبل اربعين عاما يتنبأ بحدوث ما يحدث الأن فقال :
" هذي الجموع
إن نظرت ذوّبتهم
فكيف إذا حدّقت بالبنادق عابسة صارمة
قدمي في الحكومات
في البدء
والنصف
والخاتمة " .