الأحد: 05/05/2024 بتوقيت القدس الشريف

ذكرى مئوية وعد بلفور والدوامه المتواصله!

نشر بتاريخ: 02/11/2016 ( آخر تحديث: 02/11/2016 الساعة: 11:13 )

الكاتب: عقل أبو قرع

تصادف في الثاني من تشرين الثاني لهذا العام وفي كل عام ذكرى وعد بلفور، وفي هذا العام تكون قد مرت حوالي مائة عام على إعطاء الوعد للحركه الصهيونيه في فلسطين من قبل بريطانيا، وبل المساهمه في تحقيقه على الارض، ومع مرور مائة عام على وعد بلفور ومرور حوالي 70 عاما على اقامة اسرائيل، الا ان الفلسطينيين ما زالوا يدورون في دوامة متواصلة من الامل ومن الانتكاسات ومن الوعود والانتظارات، ولم تتجسد الدولة الفلسطينية الحقيقيه الواضحه وذات السياده على الارض؟

هذا رغم الاعترافات العديده من دول كثيره بهذه الدوله، على اساس حدود 1967، وكذلك القدس كعاصمة لها، ورغم الاثار المعنوية والاعلامية والدبوماسية المترتبة على ذلك، ورغم اعتراف الامم المتحده بهذه الدوله، ورغم دخول هذه الدوله غير القائمه بعد العديد من الهيئات والمؤسسات الدوليه وغير الدوليه، الا ان الناس يتساءلون حول اهمية مثل هكذا اعترافات في تغيير الواقع او في تغيير الوضع الحالي، أو متى تتجسد هذه الدوله واسوة بالدول الاخرى على الارض، ونحن نعرف ان كل هذه الاعترافات لم تغيرمن واقع الاحتلال ومن مواصلة الاستيطان ومن استمرار الجدار، ومن التحكم في المعابر والحدود، ولم يغير من القيود المختلفة الاخرى المفروضة على الناس ؟

وقبل حوالي 100 عاما، صدر ما بات يعرف ب" وعد بلفور"، والذي ببساطة يعلن تأييد الحكومة البريطانية لليهود من اجل اقامة دولة لهم في فلسطين، وان الحكومة البريطانية سوف تقوم بكل ما تملك من اجل تحقيق هذا الوعد، وفي تلك السنة لم تكن فلسطين تحت الحكم البريطاني، اي لم يكن بمقدور الحكومة البريطانية القيام بأجراءات عملية على الارض، من اجل تحقيق هذا الوعد او هذا التعهد الذي حمل اسم وزير خارجية بريطانيا في ذلك الوقت، ولكن وبعد ان اصبحت فلسطين تحت الانتداب او تحت المسؤولية البريطانية، قامت بريطانيا وخلال سنوات او عشرات السنوات، بالعمل على جعل الوعد ممكنا، اي اقامة دولة لليهود في فلسطين.

وحين صدر " وعد بلفور"، لم يزد عدد اليهود في فلسطين عن نسبة ال 5% من تعداد السكان في البلاد، وفي تلك الفترة لم يكن احد يتوقع، وحتى خلال الثلاثين عاما من صدور هذا الوعد، بأن يتم الاعلان عن قيام دولة لليهود غي فلسطين، ومن ثم تتسابق الدول الكبرى من اجل الاعتراف بها، ومن ضمنها بالطبع بريطانيا، وليس هذا فقط ولكن من اجل توفير الدعم والمساندة من اجل ان تبقى وتتوسع، حتى لو كان ذلك على حساب مئات الالاف من اللاجئين والمهجرين ومن الضحايا والتدمير والمعاناة، التي تستمر حتى الان.

والدولة الفلسطينية غير القائمه فعليا، التي اعترفت بها الدول، والتي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي من المفترض ان تشمل الضفة وغزة وبالطبع القدس، هي دولة مشتتة، او مجزأة، او غير قابلة للحياة وللتواصل وللسيادة، اسوة ببقية الدول، وهي ما زالت تحت الاحتلال، وما زال الاستيطان يبعثرها ويمزقها اكثر واكثر، وما زالت الاوضاع والاولويات في المنطقة وفي العالم تتغير بشكل يهدد اولوية قيامها، وما زال توفير القرار الدولي الملزم لقيامها، اي القرار من مجلس الامن هو صعب وبعيد المنال وحتى من المستحيل في الوقت الحالي، في ظل مصالح الدول الكبرى التي لا تراعي الحقوق او العدالة.

وفي ظل الواقع الحالي والدوامه المتواصله، فأن تلك الدولة الفلسطينية التي من المفترض ان تأتي من خلال حل " الدولتين"، ليس من المتوقع ان ترى النور في المدى القريب على الاقل، وليس ذلك فقط ولكن حتى ان حل " الدولتين لشعبين"، هو اصبح حل غير واقعي او غير عملي، وحتى ان هناك اصوات، وتصريحات، ومن الجانبين تطالب بأن يتم اعادة النظر في هذه الاستراتيجية، وبالاخص في ظل وقائع وحقائق على الارض لا يمكن تجاهلها او محاولة تخطيها او التغاضي عنها، والتي تتمثل بالاستيطان وبالتالي تقطيع اوصال الارض التي من المفترض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وكذلك الخنق الاقتصادي المتواصل، من خلال السيطرة او من خلال الاصرار في السيطرة على المعابر والحدود والموارد والمياة، بشكل يجعل قيام دولة فلسطينية في ظل هكذا وضع غير قابلة للحياة.

ومع مرور حوالى مائة عام على وعد بلفور، ورغم اعتراف دول عديده بالدولة الفلسطينية، ورغم الاعتراف بالاهمية الرمزية والمعنوية والاعلامية والدبلوماسية، وحتى الاخلاقية لهذا الاعتراف، ورغم الموقف الدولي الواسع ، بقبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967، الا انة وفي ظل الواقع الحالي، وفي ظل اوضاع واولويات متغيرة وتتغير بسرعة، سواء اكانت عندنا او من حولنا في المنطقة العربية وفي العالم، فأن انعكاس هذه الاعترافات على الارض لا يمت الى الواقع الحالي، حيث اصبح معرفة حدود هذه الدولة التي يعترف بها العالم، او حتى معرفة تداخلاتها وامتدادتها، صعبا، حتى على المختصين والخبراء في هذا المجال، وبالاضافة الى اعطاء وعد بلفور الحق لغير اصحاب الحق، وقطع الاوصال والتواصل بين المناطق الفلسطينية المختلفة، احدثت الوقائع على الارض، من استيطان ومن جدار ومن عزل، تغييرات ثقافية وبيئية وترتيبات لوجيستية، تجعل الحديث عن سيادة على دولة متواصلة امرا من الصعب تصورة حاليا، او على الاقل في المدى المنظور.